ستعرف إن شاء الله.
وهاك كشف الحقيقة فانا إذا نظرنا الى حكمة الله ولطفه بعباده وعلمه باختلاف أحوالهم وتقلبات اطوارهم وغناه عنهم وعن جميع العالم :
حكمت علينا عقولنا وفهمنا وجداننا بأن أحكامه الشرعية في العبادات والعادات والسياسات إنما هي لاقتضاء مصالح العباد في طهارة نفوسهم وقربهم من حضرته وتهذيب أخلاقهم ، وانتظام اجتماعهم ومدنيتهم ، وسهولة انقيادهم الى الطاعة والأدب.
ومن الواضح ان الناس قد تختلف وجوه مصالحهم وتتغير بحسب الازمان لانهم بشر متغيرون بحسب الاعصار وتقلب الأحوال في الاخلاق والعادات والقوة والضعف ، واللين والقسوة ، وسهولة الانقياد الى الطاعة والتمرد والابتداء في الانقياد والتمرن عليه ، إلى غير ذلك من الاختلاف الذي لا يخفى على الفطن.
وبالضرورة يكون ما شرع لمناسبة اخلاق هذه الأجيال لا يناسب الأجيال المخالفة لها في الاخلاق وما يناسب الأجيال القوية لا يناسب الضعيفة وما شرع لمناسبة الأجيال السهلة الانقياد الى الطاعة لا يناسب الأجيال المتمردة ، وما يناسب المتمرن لا يناسب المبتدئ ، وما يناسب القاسي لا يناسب اللين.
حكي في الأناجيل ان اليهود اعترضوا على المسيح في منع الطلاق إلا لعلة الزنى ، وعارضوه بورود الطلاق في شريعة موسى مطلقا ، فقال لهم : ان موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم ولكن من البدء لم يكن هكذا «مت ١٩ : ٧ و ٨ ونحوه مر ١٠ : ٢ ـ ٧».
وانظر أيضا ما هو البديهي من الأحكام العرفية فإن ما يجعله حكماء العقلاء من الشرائع والقوانين لاصلاح اجتماع الرعية ومدنية مملكتهم وانتظام أدبهم لا بد من أن يكون في اوّل امر التشريع وخصوص حال الانقلاب أيسر وأسهل على الرعية مما تقتضيه المصلحة عند تمرنهم على الانقياد لشريعة المملكة وذلك لحكمة نفوذ الشريعة السهلة على القبول حتى تتمرن الرعية على الانشراح