واسأل المتكلف هل كان الله يعلم حينئذ بما يصنعه هارون من العجل وعبادته والدعوة إليها وتساهل معه أو تقول غير ذلك تعالى الله علوا كبيرا.
وكيف ثم كيف يجوز العقل والعقلاء أن يرسل الله رسولا ويوظفه لخدمته في الوظائف العظيمة وحفظ شريعته ويؤيده بإظهار عنايته به مع أن ذلك الرجل يساعد على الضلال والشرك ثم يظهره أو يعتقده ويدعو إليه ويغوي المؤمنين.
أترى ان واحدا من ملوك الدنيا يعتني هذه العناية بمن يعلم أنه يضل رعيته ويهيأ لهم التمرد على شريعته وسلطانه ، أو ليس أهون من ذلك أن يكون الرسول موحدا في الظاهر والباطن محافظا على التوحيد والدعوة إليه ولكنه يكذب قليلا أو كثيرا في تبليغ الأحكام التي لا تضر بأصل الايمان وجوهر الشريعة.
ومن الظرائف فرار بعضهم كصاحب ميزان الحق الى انكار نبوة هارون ورسالته فكابر في ذلك ما ذكرنا من صراحة العهدين.
ولقد صرف المتكلف فيما نحن فيه كلاما كثيرا لا ينفعه حتى في المغالطة انظر الى «يه ١ ج ص ٣٦ و ٣٧».
واستشهد أيضا حيرة منه بآيات كثيرة من القرآن الكريم تنقض عليه بصراحتها غرضه.
ومنها قول الله جل اسمه في سورة طه ٨٧ ـ ٩٥ وآخرها قوله تعالى : (وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى).
أفترى المتكلف توهم من هذه الآيات وخصوص الأخيرة ان معناها ان هارون صنع العجل إلها لبني اسرائيل واجابة لطلبهم ذلك منه ، وبنى مذبحا ودعى الى العيد.
ثم ان المتكلف لما شعر بارتباكه في هذا المقام ولم يجد من طول كلامه طائلا فر الى الانتقاد بوهمه على القرآن ورسول الله ونسب «يه ١ ج ص ٣٧» الخلط والغلط بتسميته صانع العجل المذكور بالسامري وجعلها من الجهل التام