كان جاهلا بحقيقتها.
وبما ذكرناه تعرف ان اسلوب مرقس يقتضي الحصر فإن الحصر لا ينحصر بأداة خاصة بل ان بعض السوق من الكلام ومقتضى الواقعة أظهر من الأداة في الحصر.
ولعل المتكلف شعر بذلك فندم على اعترافه بأن عبارة مرقس لو أفادت الحصر لناقضت ما في متى ، فعدل وناقض كلامه الأول بقوله «فالتناقض يتحقق إذا قال احدهم ان المسيح فتح عيني بارتيماوس ، ثم قال الآخر ان المسيح لم يفتح عيني بارتيماوس» فنقول له ان التناقض متحقق بين ما في متى ومرقس كما هو متحقق بين كلاميك شئت أو أبيت.
وأيضا ما ذا يفيد إذا كان بارتيماوس ابن رجل مشهور ، فهل فتح عيني الفقير من أب وجد ليس بمعجزة ينبغي ذكرها والتمجيد بها. هب ان مرقس صح منه ان يراعي كون بارتيماوس ابن رجل مشهور ولذا ذكر اسمه ، فما بال لوقا ذكر الواقعة أيضا مع أعمى واحد ولم يذكر اسمه ، ومن أين للمتكلف ان بارتيماوس ابن رجل مشهور طحنته صروف الزمان.
فهل شارك كتبة الاناجيل في الإلهام كما واساهم بالتناقض ، هب انا سامحناه في ذلك فما ذا يصنع بالتناقض في هذه الواقعة فإن في متى ومرقس انها وقعت بعد خروج المسيح من اريحا ، وفي لوقا انها وقعت عند ما اقترب من اريحا ثم دخلها كما أشرنا إليه ولكن المتكلف لا يبالي من ان يقول وعلى كل حال فلا تناقض.
«المجنون والمجنونان» وجاء في متى انه لما جاء المسيح إلى العبر الى كورة الجرجسيين استقبله مجنونان خارجان من القبور هائجان جدا حتى لم يكن أحد يقدر أن يجتاز من تلك الطريق ، ولما أراد شفاءهما طلبت منه الشياطين التي فيهما أن يأذن لها بالخروج إلى قطيع خنازير كان هناك فأذن لها وخرجت منهما ودخلت في الخنازير فألقت نفسها في البحر وماتت فهرب الرعاة الى المدينة وأخبروا بقصتها وقصة المجنونين فخرج أهل المدينة وطلبوا من المسيح ان ينصرف عنهم «مت ٨ : ٢٨ ـ ٣٤».