حين جاءه ابن أمّ مكتوم كان عنده رجل من عظماء المشركين ، وتارة انه كان في مجلس في ناس من وجوه قريش منهم أبو جهل وعتبة بن ربيعة ، وتارة ان اللذين كانا عنده عتبة وشيبة.
وفي الرواية عن ابن عباس انه لقي عتبة والعباس وأبا جهل ، وفي الرواية عن أنس ابي ابن خلف ، وفي الرواية عن أبي مالك امية بن خلف وفي الرواية عن مجاهد عتبة بن ربيعة وامية بن خلف ، وفي رواية اخرى عنه ان رسول الله كان مستخليا بصنديد من صناديد قريش ، وفي الرواية عن الضحاك لقي رجلا من أشراف قريش ، وان هذا الاضطراب مما يلحق الرواية بالخرافة.
«رابعها» كونها معارضة بما هو أحسن منها طريقا ، فقد روى ان الذي عبس في وجه الأعمى ونزلت فيه الآيات هو غير رسول الله ويدل على ذلك قوله تعالى في السورة (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) فانه لا يصح أن يكون خطابا لرسول الله لأن كل أحد يعلم انه لم يكن من وظيفة رسول الله ولا خلقه ولا عادته ولا همته في الهدى انه لا يبالي بتزكي أحد بالإسلام. كيف وقد كان أقصى همته الدعوة إليه خصوصا لمن يقوي الدين بإسلامهم. وليس كل خطاب في القرآن هو خطاب لرسول الله فإن فيه ما لا شك بكونه خطابا لغيره كقوله تعالى في سورة القيامة المكية ٣٤ (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ٣٥ ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى).
«خامسها» ان ما في الرواية من سوء الخلق مع الأعمى ومداهنة قريش مناقض لما هو المعروف من خلق رسول الله ولا سيما مع المسلم المسترشد ومناقض أيضا لقوله تعالى في سورة القلم المكية ٤ (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ٩ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ). وقال تعالى في سورة آل عمران ١٥٣ : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ).
«وأما ثانيا» فانا لو تنزلنا مع المتكلف وفرضنا صحة ما تشبث به من الرواية في نزول الآية لما خرج كلامه عن كونه افتراء على قدس رسول الله. فإن من يفرض انه أعرض مرة عن الأعمى مراعاة لبعض المصالح فأدبه الوحي أو على زعم المتكلف عرف أن هذا لا يليق فتداركه.