روى إسحاق بن إبراهيم النّديم ، عن أبيه قال : كنت بين يدي الرشيد ، والناس يعزّونه في طفل ، ويهنّونه بمولود ولد تلك الليلة ، فقال عبد الملك بن صالح : يا أمير المؤمنين آجرك الله فيما ساءك. ولا ساءك فيما سرّك. وجعل هذه بهذه جزاء للشاكر ، وثوابا للصابر (١).
الرياشيّ : ثنا الأصمعيّ قال : كنت عند الرشيد ، فأتي بعبد الملك بن صالح يرفل في قيوده ، فلمّا مثل بين يدي الرشيد ، التفت الرشيد يحدّث يحيى بن خالد ، وتمثّل ببيت عمرو بن معديكرب :
أريد حياته ويريد قتلي |
|
عذيرك من خليلك من مراد (٢). |
ثم قال : يا عبد الملك ، لكأنّي ، والله ، انظر إلى شؤبوبها (٣) قد همع (٤) ، وإلى عارضها قد لمع ، وكأنّي بالوعيد قد أورى نارا ، فأبرز عن (٥) براجم (٦) بلا معاصم. ورءوس بلا غلاصم (٧) ، فمهلا مهلا بني هاشم بي. والله ، سهل لكم الوعر ، وصفا لكم الكدر ، وألقت إليكم الأمور أزمّتها ، فيه اربداد لكم من حلول داهية ، أو خبوط باليد والرّجل (٨).
فقال : أتكلّم يا أمير المؤمنين؟ قال : قل!.
قال : اتّق الله فيما ولّاك ، واحفظه في رعاياك الّتي استرعاك ، ولا
__________________
(١) العقد الفريد ٣ / ٣٠٩ وفيه زيادة ، والأذكياء لابن الجوزي ١٥٣ ، ١٥٤ ، وذيل تاريخ بغداد ١٥ / ٥٣ ، وفوات الوفيات ٢ / ٢٨.
(٢) البيت من قصيدة لعمرو بن معديكرب في وصف الحرب. وهو في العقد الفريد ٢ / ١٥٢ ، وفي الكامل في الأدب للمبرّد ٥٥٠ ، وذيل تاريخ بغداد ١٥ / ٦٤ «أريد حباءه».
(٣) الشؤبوب : الدفعة من المطر.
(٤) همع : سال وانصبّ.
(٥) في العقد الفريد : وكأني بالوعيد قد وقع ، فأقلع عن».
(٦) البراجم : مفاصل الأصابع ، واحدتها : برجمة. (بضم أولها).
(٧) في العقد : «وجماجم بلا غلاصم» ، والغلاصم : جمع غلصمة (بالفتح) ، وهي رأس الحلقوم ، والموضع الناتئ في الحلق.
(٨) العبارة في العقد : «فمهلا مهلا ، بي والله يسهل لكم الوعر ، ويصفو لكم الكدر ، وألقت إليكم الأمور مقاليد أزمّتها ، فالتدارك التدارك قبل حلول داهية خبوط باليد لبوط بالرجل».
وانظر النص في : وفيات الأعيان ٧ / ٥٥ ، وذيل تاريخ بغداد ١٥ ـ ٦٤ ، ٦٥.