____________________________________
ثم اعلم أن القونوي ذكر أن أبا حنيفة رحمهالله كان يسمى مرجئا لتأخيره أمر صاحب الكبيرة إلى مشيئة الله تعالى والإرجاء التأخير وكان يقول : إني لأرجو لصاحب الذنب الكبير والصغير وأخاف عليهما ، وأنا أرجو لصاحب الذنب الصغير وأخاف على صاحب الذنب الكبير انتهى. وأما ما وقع في الغنية للشيخ عبد القادر الجيلاني (١) رضي الله عنه عند ذكر الفرق الغير الناجية حيث قال : ومنهم القدرية وذكر أصنافا منهم ، ثم قال : ومنهم الحنفية وهم أصحاب أبي حنيفة نعمان بن ثابت رحمهالله زعم أن الإيمان هو المعرفة والإقرار بالله ورسوله وبما جاء من عنده جملة على ما ذكره البرهوني في كتاب الشجرة ، وهو اعتقاد فاسد ، وقول كاسد مخالف لاعتقاده في الفقه الأكبر وما نقله أصحابه أنه يقول : الإيمان هو مجرد التصديق دون الإقرار فإنه شرط عنده لإجراء أحكام الإسلام ومناقض لسائر كتب العقائد الموضوعة للخلاف بين أهل السّنّة والجماعة وبين المعتزلة وأهل البدعة مع أن الإيمان هو المعرفة والإقرار هو المذهب المختار ، بل هو أولى من أن يقال الإيمان هو التصديق والإقرار ، لأن التصديق الناشئ عن التقليد دون التحقيق مختلف في قبوله بخلاف المعرفة الناشئة عن الدلالة مع الإقرار وبالإقرار فإنه إيمان بالإجماع ، وأما الاكتفاء بالمعرفة دون الإقرار وبالإقرار دون المعرفة فهو في محل النزاع كما قاله بعض أهل الابتداع ، ثم المرجئة المذمومة من المبتدعة ليسوا من القدرية بل هم طائفة قالوا لا يضرّ مع الإيمان ذنب ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، فزعموا أنه أحدا من المسلمين لا يعاقب على شيء من الكبائر فأين هذه الأرجاء ثم قول أبي حنيفة رحمهالله مطابق لنص القرآن وهو قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٢). بخلاف المرجئة حيث لا يجعلون الذنوب مما عدا الكفر تحت المشيئة وبخلافه المعتزلة حيث يوجبون العقوبة على الكبيرة ، وبخلاف الخوارج حيث يخرجون صاحب الكبيرة والصغيرة عن الإيمان.
ثم اعلم أن مذهب المرجئة أن أهل النار إذا دخلوا النار فإنهم يكونون في النار بلا عذاب كالحوت في الماء إلا أن الفرق بين الكافر والمؤمن أن للمؤمن استمتاعا في الجنة
__________________
(١) هو عبد القادر بن أبي صالح موسى حنبكي دوست ابن أبي عبد الله بن يحيى الزاهدي بن محمد بن داد محيي الدين الجيلي البغدادي الصوفي الحنبلي المتوفى سنة ٥٦١ من تصانيفه تحفة المتقين والغنية في التصوّف وغيرها.
(٢) النساء : ٤٨.