برحمته فالويل لابن الجويني ، وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي ، أو قال على عقيدة عجائز أهل نيسابور ، وكذا قال الخسروشاهي (١) وكان من أجلّ تلامذة فخر الدين الرازي لبعض الفضلاء ودخل عليه يوما ما تعتقده قال : ما يعتقده المسلمون ، فقال : وأنت منشرح الصدر لذلك مستيقن به ، أو كما قال ، فقال : نعم. فقال : أشكر الله على هذه النعمة ولكني والله ما أدري ما أعتقد ، والله ما أدري ما أعتقد ، وبكى حتى اخضل لحيته. وقال الخونجي (٢) عند موته : ما عرفت مما حصّلته شيئا سوى الممكن مفتقر إلى المرجح ، ثم قال : الافتقار وصف سلبي أموت وما عرفت شيئا. وقال آخر (٣) : أضطجع على فراشي وأضع الملحفة على وجهي وأقابل بين حجج هؤلاء وهؤلاء حتى يطلع الفجر ، ولم يترجح عندي منها شيء ، ومن يصل إلى مثل هذا الحال لم يتداركه الله بالرحمة والإقبال تزندق وساء له المآل ، فالدواء النافع لمثل هذا المرض ما كان طبيب القلوب يتضرّع به إلى علّام الغيوب ويدعو بقوله (٤) : «اللهمّ يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك» (٥) ، وبقوله : «اللهمّ فاطر السّماوات والأرض عالم الغيب والشّهادة اهدني لما
__________________
(١) هو عبد الحميد بن عيسى الخسروشاهي ، نسبة إلى خسروشاه ، قرية بمرو التبريزي الشافعي المتكلّم. قال السبكي في «الطبقات» ٨ / ١٦١ : وكان فقيها أصوليّا متكلّما محقّقا بارعا في المعقولات ، قرأ على الإمام فخر الدين الرازي وأكثر الأخذ عنه ، ثم قدم الشام بعد وفاة الإمام ، ودرس وأفاد ، ثم توجّه إلى الكرك ، فأقام عند صاحبها الملك الناصر داود ، فإنه استدعاه ليقرأ عليه ثم عاد إلى دمشق فأقام بها إلى أن توفي سنة ٦٥٢ ه. وله من المصنّفات : «مختصر المهذب» في الفقه ، و «مختصر المقالات» لابن سينا ، و «تتم الآيات البيّنات».
(٢) هو محمد بن ناحاور بن عبد الملك أبو عبد الله الخونجي ، فارسي الأصل ، انتقل إلى مصر وتولى القضاء بها ، وتوفي سنة ٦٤٦ ه وله كتاب «كشف الأسرار عن غوامض الأفكار» في المنطق.
مترجم في سير أعلام النبلاء ٢٣ / ١ ، رقم الترجمة ١٤٦. وانظر درء تعارض العقل والنقل ١ / ١٦٢ و ٣ / ٢٦٢.
(٣) هو محمد بن سالم بن واصل الحموي كما في «درء تعارض النقل» ١ / ١٦٥ و ٣ / ٢٦٣ ، المتوفّى سنة ٦٩٧ ه.
(٤) من نهاية الصفحة ١٠ إلى هنا مأخوذ من شرح العقيدة الطحاوية ١ / ٢٤٣ إلى ٢٤٨ بشيء من التصرف.
(٥) أخرجه ابن ماجة ١٩٩ وأحمد ٤ / ١٨٢ وابن حبان ٩٤٣ والحاكم ١ / ٥٢٥ من طريق بشر بن بكر و ٢ / ٢٨٩ من طريق ابن شابور كلهم عن عبد الله بن يزيد بن جابر وصرّح الوليد بن مسلم بسماعه من عبد الرحمن فانتفت شبهة تدليسه. وأخرجه الآجري في الشريعة ص ٣١٧ عن الوليد بن مسلم وابن أبي عاصم في السنة ٢١٩ والبغوي ٨٩ كلهم من حديث النواس بن سمعان. قال البوصيري في مصباح الزجاجة ورقة ١٤ / ٢ إسناده صحيح وصحّحه الحاكم ووافقه الذهبي.
ونصه «يا مقلّب القلوب ثبّت قلوبنا على دينك» ، وليس فيه اللهمّ كما أورد المصنّف وفي الباب أحاديث.