اختلفوا فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» (١). وبقوله : «لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم» (٢).
ومنها أن القول بالرأي والعقل المجرد في الفقه والشريعة بدعة وضلالة فأولى أن يكون ذلك في علم التوحيد ، والصفات بدعة وضلالة فقد قال فخر الإسلام علي البزدوي (٣) في أصول الفقه : إنه يرد في الشرع دليل على أن العقل موجب ، ولا يجوز أن يكون موجبا وعلة بدون الشرع إذ العلل موضوعات الشرع ، وليس إلى العباد ذلك ، لأنه ينزع أي يسوق إلى الشركة ، فمن جعله موجبا بلا دليل شرعا فقد جاوز حدّ العباد وتعدّى عن حدّ الشرع على وجه العناد.
ومنها الإصغاء إلى كلام الحكماء وأتباعهم من السفهاء حيث أعرضوا عن الآيات النازلة من السماء وخاضوا مع الجهلاء الذين يظن فيهم أنهم العقلاء والعلماء ، وقد نبّه الله تعالى على ذلك في كتابه حيث قال : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا). أي بالتأويلات الفاسدة والتعبيرات الكاسدة (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) (٤) فإن معنى الآية يشملهم إذ العبرة بعموم المبنى لا بخصوص السبب لذلك المعنى والتأويلات الباطلة والتحريفات العاطلة قد تكون كفرا ، وقد تكون فسقا ، وقد تكون معصية ، وقد تكون خطأ والخطأ في هذا الباب غير معفو ومرفوع بخلاف الخطأ في اجتهاد الفروع حيث لا وزر هنالك بل أجر يترتب على ذلك. وبهذا تبين وجه الفرق بين اجتهاد أهل البدعة مع اختلافهم وبين اجتهاد أهل السّنّة مع ائتلافهم ويشير إليه قوله تعالى : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) (٥). وفي الحديث : «القرآن حجة لك أو عليك فهو كبحر النيل
__________________
(١) أخرجه مسلم ٧٧٠ والترمذي ٣٤١٦ وأبو داود ٧٧٦ والنسائي ٣ / ٢١٢ ـ ٢١٣ والبغوي في شرح السّنّة ٩٥٢ من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٢) أخرجه البخاري ٦٦١٠ و ٢٤٠٥ ومسلم ٢٧٠٤ ح ٤٦ وأبو داود ١٥٢٧ والترمذي ٣٤٦١ وابن ماجة ٣٨٢٤ وأحمد ٤ / ٤٠٧ وابن أبي شيبة ١٠ / ٣٧٦ وابن حبان ٨٠٤ والنسائي في اليوم والليلة ٥٣٧ كلهم من حديث أبي موسى الأشعري وفي الباب عن أبي هريرة عند عبد الرزاق ٢٠٥٤٧ والنسائي في اليوم والليلة ١٣ وعن معاذ بن جبل عند النسائي ٣٥٧ وعن أبي ذر عند أحمد ٥ / ١٥٧ وابن ماجة ٣٨٢٥. وانظر المطالب العالية ٣ / ١١٣ و ٢٦١ ومجمع الزوائد ١٠ / ٩٧ ـ ٩٩.
(٣) علي بن محمد بن عبد الكريم بن موسى البزدوي الإمام الكبير فخر الإسلام. له تصانيف كثيرة معتبرة منها «المبسوط» و «شرح الجامع الكبير» و «شرح الجامع الصغير» و «أصول البزدوي». ولد في حدود سنة ٤٠٠ ه ، وتوفي في خامس رجب سنة ٤٨٢ ه. انظر الفوائد البهية ص ١٢٤.
(٤) الأنعام : ٦٨.
(٥) الإسراء : ٨٢.