ماء للمحبوبين ودماء للمحجوبين» (١) ، فالواجب على المسلمين أجمعين اتّباع سيد المرسلين المطابق لما جاء به عقيدة سائر النبيين وعين التبيين للكتاب المبين ، وقد بيّن سبحانه أمره وعظيم شأنه وقدره حيث أقسم بنفسه فقال : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٢). وأخبر أنّ المنافقين يريدون أن يتحاكموا إلى غيره وأنهم إذا دعوا إلى الله أي كتابه ورسوله أي حكمه صدّوا عنه صدودا أي أعرضوا عنه إعراضا مبعودا وأنهم يزعمون أنهم إنما أرادوا إحسانا وتوفيقا وإيقانا وتحقيقا كما يقوله كثير من المتكلمين والمتفلسفة وغيرهم إنما نريد أن نحسن الأشياء بالجمع بين كلام الأنبياء والحكماء ، وكما يقوله كثير من المبتدعة من المتنسّكة إنما نريد الإحسان بالجمع بين الإيمان والإيقان والتوفيق بين الشريعة والطريقة والحقيقة ويدسّون فيها دسائس مذاهبهم الباطلة ومشاربهم العاطلة من الحلول والاتحاد والاتصال والانفصال ودعوى الوجود المطلق ، وأن الموجودات بأسرها عين الحق ويتوهمون أنهم في مقام الجمعية والحال أنهم في حال التفرقة وضلال الزندقة فكل من طلب أن يحكم في شيء من أمر الدين غير ما ثبت عن النبي الأمين صلىاللهعليهوسلم ويظن أن ذلك مستحسن في باب اليقين وأن ذلك جامع بين ما جاء به الرسول وبين ما يخالفه من المعقول فله نصيب من ذلك وحرام عليه الترقّي إلى ما هنا لك إذ ما جاء به الرسول كاف شاف كامل تبيّن فيه حكم كل حق وباطل. قال الله تعالى : (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٣) وهذه كانت طريق السابقين الأولين وهي طريقة التابعين ومن بعدهم من الأئمة المجتهدين وأكابر المفسّرين وأعاظم المحدّثين وعمدة الصوفية المتقدمين كداود الطائي (٤) والمحاسبي (٥)
__________________
(١) أخرجه مسلم ٣٢٣ والترمذي ٣٥١٢ والنسائي ٥ / ٥ و ٦ من حديث أبو مالك الأشعري. ولفظه : «الطّهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملآن ـ أو تملأ ما بين السموات والأرض ، والصلاة نور ، والصدقة برهان والصبر ضياء ، والقرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو ، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها». وهو عند النسائي إلى قوله أو عليك ولم أجد الزيادة التي زادها الشارح رحمهالله.
(٢) النساء : ٦٥.
(٣) البقرة : ٤٢.
(٤) هو داود بن نصير الطائي الكوفي ثقة فقيه عابد ، توفي سنة ١٦٥ ه في خلافة المهدي. انظر تقريب التهذيب ١ / ٢٣٤ وصفة الصفوة ١ / ٨٦.
(٥) الحارث بن أسد المحاسبي الزاهد المشهور أبو عبد الله البغدادي قال الذهبي في ميزان الاعتدال ١ / ٣٤٠ وأما المحاسبي فهو صدوق في نفسه وقد نقموا عليه بعض تصوّفه وتصانيفه. توفي سنة ٢٤٣ ه. انظر صفوة الصفوة ٢ / ٢٧٠.