____________________________________
من أنه ورد قبل العلم ، أو محمول على التواضع فما استحسنه الجمهور.
قال شارح عقيدة الطحاوي : وأما حديث لا تفضلوني على يونس بن متّى فقال بعض الشيوخ : لا أفسّره حتى أعطى مالا جزيلا فلما أعطوه فسّره بأن قرب يونس من الله وهو في بطن الحوت كقرب محمد من الله تعالى ليلة المعراج وعدّوا هذا تفسيرا عظيما ، وهذا يدلّ على جهلهم بكلام الله تعالى وكلام رسوله صلىاللهعليهوسلم إلى أن قال : وهل يقول مؤمن إن مقام الذي أسري به إلى ربّه وهو معظّم كريم كمقام الذي ألقي في بطن الحوت ، وهو مليم وأين المكرّم المقرّب من الممتحن المؤدّب ، فهذا في غاية التقريب ، وهذا في غاية التأديب ، وهل يقام هذا الدليل على نفي علوّ الله تعالى على خلقه بإثبات الأدلة الصحيحة القطعية الصريحة التي تزيد على ألف (١). انتهى.
ولا يخفى أنه لا مرية في أن مقام الإسراء أعلى وأغلى من ميقات موسى فضلا عن مقام يونس بن متّى عليه الصلاة والسلام ، وإنما الكلام على أن قربه سبحانه يستوي بكلّ منهم في كل حال ومقام كما يدلّ عليه قوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (٢). وقوله تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (٣). وأما علوّه تعالى على خلقه المستفاد من نحو قوله تعالى : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) (٤). فعلوّ مكانة ومرتبة لا علوّ مكان (٥) كما
__________________
فالإمام مثلا إذا قلنا : إنه أفضل من المؤذّن ، لا يستلزم نقص فضيلة المؤذن بالنسبة إلى الأذان ، وقيل : النهي عن التفضيل إنما هو في حق النبوّة نفسها كقوله تعالى : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) ، ولم ينه عن تفضيل بعض الذوات على بعض لقوله : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ). وقال الحليمي : الأخبار الواردة في النهي عن التخيير ، إنما هي في مجادلة أهل الكتاب ، وتفضيل بعض الأنبياء على بعض المخايرة ، لأن المخايرة إذا وقعت بين أهل دينين لا يؤمن أن يخرج أحدهما إلى الازدراء بالآخر ، فيفضي إلى الكفر ، فأما إذا كان التخيير مستندا إلى مقابلة الفضائل لتحصيل الرجحان ، فلا يدخل في النهي. ا. ه.
(١) شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز ١ / ١٦١ ـ ١٦٣ بتصرّف في العبارة.
(٢) الحديد : ٤.
(٣) ق : ١٦.
(٤) الأنعام : ١٨ ، ٦١.
(٥) قال الإمام الشافعي رحمهالله في وصيته ص ٣٨ ـ ٣٩ : «وأن الله عزوجل يرى في الآخرة ، ينظر إليه المؤمنون عيانا جهارا ، ويسمعون كلامه ، وأنه فوق العرش». ا. ه. وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمهالله في عقيدته ص ١٧ : «وهو مستغن عن العرش وما دونه ، محيط بكل شيء وفوقه ، وقد أعجز عن الإحاطة خلقه». ا. ه.