____________________________________
والجواب أنه ذكر الشيخ الإمام ابن عبد السلام في كتاب حلّ الرموز أنه قال : «الإمام أبو حنيفة رحمهالله : من قال لا أعرف الله تعالى في السماء هو ، أم في الأرض كفر ، لأن هذا القول يوهم أن للحق مكانا ، ومن توهّم أن للحق مكانا فهو مشبّه» (١) انتهى. ولا شك أن ابن عبد السلام من أجلّ العلماء وأوثقهم فيجب الاعتماد على نقله لا على ما نقله الشارح مع أن أبا مطيع رجل وضّاع عند أهل الحديث ، كما صرّح به غير واحد.
والحاصل أن الشارح يقول بعلو المكان مع نفي التشبيه وتبع فيه طائفة من أهل البدعة ، وقد تقدم عن أبي حنيفة رحمهالله أنه يؤمن بالصفات المتشابهات ، ويعرض عن تأويلها وينزّه الله تعالى عن ظواهرها ويكل علمها إلى عالمها كما هو طريقة السّلف ، وكثير من الخلف ومذهبهم أسلم وأعلم وأحكم ، ولقد أغرب حيث قال : المكانة تأنيث المكان (٢) ، وأراد أنهما واحد في المعنى ، ولم يفرّق بين المنزلة المعنوية وبين المرتبة الحسّيّة مع أنه أورد ما جاء في الأثر إذ أحبّ أحدكم أن يعرف كيف منزلته عند الله ، فلينظر كيف منزلة الله فيه؟ فإن الله ينزل العبد من نفسه حيث أنزله العبد من قلبه (٣) ، ثم قال : وهو ما يكون في قلبه من معرفة الله ومحبته وتعظيمه وغير ذلك. انتهى. فهو من قبيل ما ورد في قوله عليه الصلاة والسلام : حبّك الشيء يعمي ويصمّ (٤) ، وقد ثبت عن إمام الحرمين في نفي صفة العلوّ قوله كان الله ولا عرش وهو الآن على ما كان (٥) ، ومما
__________________
الأنصاري في كتابه الفاروق وكذلك عزاه ابن أبي العز في شرحه للطحاوية ٢ / ٣٨٦.
(١) انظر التعليق السابق رقم ٣ وأقوال الأئمة هناك والردّ على هذا الكلام. وانظر الإبانة لأبي الحسن الأشعري ص ٩٧ ـ ١٠٣ ففيه ردّ كامل على هذا الكلام.
(٢) شرح الطحاوية ٢ / ٣٨٩.
(٣) أطلق المؤلّف كلمة الأثر على المأثور من كلام السلف ، كما هو اصطلاح الفقهاء ، فإن النص الذي أورده ليس بحديث.
(٤) أخرجه أحمد ٥ / ١٩٤ و ٦ / ٤٥٠ ، وأبو داود ٥١٣٠ ، والبخاري في التاريخ الكبير ٣ / ١ / ١٧٢.
والقضاعي في مسند الشهاب ٢١٩ ، والفسوي في المعرفة والتاريخ ٢ / ٣٢٨. والطبراني في مسند الشاميين ١٤٥٤ و ١٤٦٨ من طرق مختلفة عن أبي بكر بن أبي مريم به عن أبي الدرداء مرفوعا وأبو بكر بن أبي مريم ضعيف ورواه أبو الشيخ ١١٥ من طريق آخر وفيه من هو متكلم فيه وهو الحديث ١٢ من الدرّ الملتقط وردّ عليه الحافظ العراقي بأن ابن أبي مريم لم يتّهمه أحد بكذب ثم حسّنه ، والحق أنه ضعيف لا موضوع ولا حسن. ولذا قال الحافظ العلائي : هذا الحديث ضعيف لا ينتهي إلى درجة الحسن أصلا ، ولا يقال فيه موضوع.
(٥) القصة بتمامها حجة على المؤلف وليست حجة له وإليك نصها كاملا من شرح العقيدة الطحاوية