____________________________________
قلت وهذا يؤيده ما قدّمناه وهو المأثور عن أئمة الحديث والسّنّة. ولعل تكرار هذه المسألة في تأليف الإمام لكمال الاهتمام في مقام المرام.
ثم اعلم أن عباد العجل مع كفرهم بالله أعرف من المعتزلة لأنه لما قال لهم موسى : (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً) (١). لم يجيبوا بأن ربك لا يتكلم أيضا فعلم أن نفي التكلّم نقص يستدل به على عدم ألوهية العجل وغاية شبهتهم أنهم يقولون : يلزم منه التشبيه والتجسيم ، فيقال لهم : إذا قلنا أنه تعالى يتكلم كما يليق بجلاله انتفت شبهتهم ولقد قال بعضهم لأبي عمرو بن العلاء (٢) أحد السبعة من القرّاء : أريد أن تقرأ : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى) (٣). بنصب اسم الله ليكون موسى هو المتكلم لا الله سبحانه ، فقال له أبو عمرو : هب إني قرأت هذه الآية كذا ، فكيف تصنع بقوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) (٤) فبهت المعتزلي (٥).
ثم أفضل نعيم الجنة رؤية وجهه وسماع كلامه فإنكار ذلك إنكار لروح الجنة الذي ما طابت لأهلها إلا به كما أن أشد العذاب للكفار عدم تكليمه لهم ووقوع الحجاب كما أخبر عنهم بقوله تعالى : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٦). أي تكليم تكريم ، وقال في آية أخرى لهم : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) (٧). وبقوله تعالى : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (٨). وأما استدلالهم بقوله سبحانه : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (٩).
والقرآن شيء فيكون داخلا في عموم كل شيء ، فيكون مخلوقا ، فمن أعجب العجب ...
وذلك أن أفعال العباد كلها عندهم غير مخلوقة لله تعالى ، وإنما يخلقها العباد
__________________
ـ لابن أبي العز من ١ / ١٧٢ إلى ١ / ١٧٤.
(١) الأعراف : ١٤٨.
(٢) هو زبان بن العلاء بن عمار التميمي البصري شيخ العربية وأحد أئمة القرّاء السبعة المتوفّى سنة ١٥٤ مترجم في سير أعلام النبلاء ٦ / ٤٠٧ ـ ٤١٠.
(٣) النساء : ١٦٤. والقراءة المتواترة (وَكَلَّمَ اللهُ) برفع لفظ الجلالة (الله).
(٤) الأعراف : ١٤٣.
(٥) انظر شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز ١ / ١٧٧ فالكلام مأخوذ منها.
(٦) البقرة : ١٧٤.
(٧) المؤمنون : ١٠٨.
(٨) المطفّفين : ١٥.
(٩) الرعد : ١٦.