____________________________________
قائما بذاته ونفسه أو خلقه في غيره؟ قال أقول : خلقه كما خلق الأشياء كلها وحاد عن الجواب ، فقال المأمون : اشرح أنت هذه المسألة ودع بشرا فقد انقطع ، فقال عبد العزيز : إن قال خلق كلامه في نفسه فهذا محال لأن الله لا يكون محلّا للحوادث (١) ولا يكون منه شيئا مخلوقا ، وإن قال خلقه في غيره فيلزمه في النظر والقياس أن كل كلام خلقه الله في غيره فهو كلامه ، وإن قال : خلقه قائما بنفسه وذاته ، فهذا محال لأن الكلام لا يكون (٢) إلا من متكلم كما لا تكون الإرادة إلا من مريد ، ولا العلم إلا من عالم ولا يعقل كلام قائم بنفسه يتكلم بذاته ، فلما استحال من هذه الجهات أن يكون مخلوقا علم أنه صفة لله ، هذا مختصر من كلام عبد العزيز في [الحيدة] (٣).
قال القونوي : وما أفسد استدلالهم بقوله تعالى : (فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ) (٤). على أن الكلام خلقه الله في الشجرة فسمعه موسى منها وعموا عما قبل هذه الكلمة فإنه تعالى قال : (فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ) (٥). والنداء هو الكلام من بعد فسمع موسى عليه الصلاة والسلام النداء من حافة الوادي ، ثم قال في البقعة المباركة من الشجرة أي النداء كان من البقعة المباركة من عند الشجرة ، كما تقول سمعت كلام زيد من البيت يكون البيت لابتداء الغاية لا أن البيت هو المتكلم ، ولو كان الكلام مخلوقا في الشجرة لكانت الشجرة هي القائلة : (يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ) (٦). ولو كان هذا الكلام بدأ من غير الله لكان قول فرعون : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (٧). صدقا إذ كلّ من الكلامين عندهم مخلوق ، وقد قاله غير الله وقد فرّقوا بين الكلامين على أصلهم الفاسد أن ذلك كلام خلقه الله في الشجرة ، وهذا كلام خلقه فرعون ، فحرّفوا وبدّلوا واعتقدوا خالقا غير الله ، وقد قال الله تعالى : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) (٨). فإن قيل : قال
__________________
(١) زاد في شرح الطحاوية الحوادث المخلوقة.
(٢) في شرح الطحاوية : فهذا محال لا يكون الكلام إلا ...
(٣) وقع في الأصل تصحيف فقال : الجيدة وهذا خطأ وصوابه الحيدة والكلام الذي نقله الشارح موجود في الحيدة ص ٧٩ ـ ٨٠ وموجود في شرح الطحاوية ١ / ١٨٠ ـ ١٨١.
(٤) القصص : ٣٠.
(٥) القصص : ٣٠.
(٦) القصص : ٣٠.
(٧) النازعات : ٢٤.
(٨) فاطر : ٣.