وقد زاد المحقّقون من علماء البيان قسما آخر من الاستعمال وهو الكناية ، وعرّفوها بإرادة لازم المعنى أو ملزومه مع جواز إرادة نفس المعنى ، فالكناية ليست بحقيقة ؛ لكون الاستعمال فيها استعمالا في غير الموضوع له ، وليست بمجاز ؛ إذ لا قرينة فيها معاندة للمعنى الحقيقيّ ، كما لا يخفى.
إذا عرفت هذا ، فنقول : اختلف علماء الأدب في وضع المجازات على أقوال ، عمدتها وهو الحقّ ما عن أبي المجد الشّيخ محمّد رضا الأصفهاني قدسسره : من أنّ الألفاظ في المجازات كلّها من المجاز في الكلمة ـ مطلقا مرسلا كان أو استعارة ، مفردا كان أو مركّبا ـ ومن المجاز في الحذف والإسناد ، بل في الكنايات ، إنّما تستعمل في معانيها الأصليّة الحقيقيّة من دون أن يحدث المستعمل معنى جديدا ، فيريد المستعمل في المجازات ، المعاني الحقيقيّة إرادة استعماليّة بلا زيادة ونقيصة ، إلّا أنّ هذه الإرادة غير مطابقة لإرادته الجدّيّة ؛ حيث إنّه يريد معنى آخر مجازيّا بإرادة جدّيّة بمعونة القرينة الّتي لا تعاند المعنى الحقيقيّ ـ بل تعاند الإرادة الجدّيّة ـ ولا تكون صارفة عنه ، ولا تدلّ على استعمال اللّفظ في غيره ، وكذلك الأمر في الكنايات ، فلا وجه لتثليث القسمة وجعل الكناية قسيما للمجاز والحقيقة ، ولا وجه ـ أيضا ـ لتعريف الكناية : بأنّها هو استعمال اللّفظ في غير الموضوع له مع جواز إرادته منه.
وبالجملة : ففي الحقائق إرادتان تتطابقان وهما الاستعماليّة والجدّيّة ؛ وكذلك في المجازات والكنايات ، لكن لا تتطابقان.
وبعبارة اخرى : إنّ الموضوع له في الاستعمالات المجازيّة والكنائيّة بأنحائها لا يتصرّف فيه أصلا ، بل يبقى بحاله بلا زيادة ونقيصة ، وبلا تضييق وتوسعة ، واللّفظ إنّما يستعمل فيه ، لا في غيره ، والتّصرّف إنّما يقع في موقف التّطبيق ، فيطبّق ما هو