وعليه : فما هو المستفاد من كلام الشّيخ الرّئيس أبو على سينا قدسسره (١) وكذا المحقّق الطّوسي قدسسره (٢) من أنّ المعنى الموضوع له في الألفاظ ليس إلّا كونه مرادا للّافظ ، محمول على أنّ دلالة الألفاظ على معناها دلالة تصوريّة ، تابعة لإرادة المتكلّم اللّافظ ، كما يعطي ذلك ظاهر كلام الشّيخ قدسسره من قوله : «إنّ اللّفظ بنفسه لا يدلّ البتّة ... بل إنّما يدلّ بإرادة اللّافظ» وكذا ظاهر كلام المحقّق الطّوسي قدسسره من قوله : «إنّ دلالة اللّفظ لمّا كانت وضعيّة ، كانت متعلّقة بإرادة التّلفّظ الجارية على قانون الوضع» بل هو صريح كلام هذا المحقّق قدسسره حيث قال في الجواب عن اشكال العلّامة قدسسره ما هذا لفظه :
__________________
(١) راجع ، الشّفاء ، قسم المنطق من الفصل الخامس : ج ١ ، ص ٤٢ و ٤٣ ؛ وإليك نصّ كلامه : «إنّ اللّفظ بنفسه لا يدلّ البتّة ، ولو لا ذلك ، لكان لكلّ لفظ حقّ من المعنى لا يجاوزه ، بل إنّما يدلّ بإرادة اللّافظ ، فكما أنّ اللّافظ يطلقه دالّا على معنى ، كالعين على الدّينار ، فيكون ذلك دلالته ، كذلك إذا خلّاه في إطلاقه عن الدّلالة ، بقي غير دالّ ، وعند كثير من أهل النّظر غير لفظ ، فإنّ الحرف والصّوت فيما أظنّ لا يكون بحسب المتعارف عند كثير من المنطقيّين لفظا أو يشتمل على دلالة ، وإذا كان ذلك كذلك ، فالمتكلّم باللّفظ المفرد لا يريد أن يدلّ بجزئه على جزء من معنى الكلّ ولا ـ أيضا ـ يريد أن يدلّ به عليه ، فقد انعقد الاصطلاح على ذلك ، فلا يكون جزئه البتّة دالّا على شيء حين هو جزئه بالفعل ، اللهمّ إلّا بالقوّة حين نجد الإضافة المشار إليها وهي مقارنة إرادة القائل دلالة بها.
وبالجملة ، فإنّه إن دلّ فإنّما يدلّ لا حين ما يكون جزءا من اللّفظ المفرد ، بل إذا كان لفظا قائما بنفسه ، فأمّا وهو جزء فلا يدلّ على معنى البتّة».
(٢) راجع ، الإشارات والتّنبيهات : ج ١ ، ص ٣٢ ؛ وإليك نصّ كلامه : «لأنّ دلالة اللّفظ لما كانت وضعيّة كانت متعلّقة بإرادة المتلفّظ الجارية على قانون الوضع ، فما يتلفّظ به ، ويراد به معنى ما ويفهم عنه ذلك المعنى يقال له : إنّه دالّ على ذلك المعنى ، وما سوى ذلك المعنى ممّا لا تتعلّق به إرادة المتلفّظ وإن كان ذلك اللّفظ أو جزء منه بحسب تلك اللّغة أو لغة اخرى ، أو بإرادة اخرى يصلح لأن يدلّ به عليه فلا يقال له : إنّه دالّ عليه».