اللهمّ إلّا أن يدّعى : أنّ جميع ما ذكر من الآثار يرجع إلى أثر واحد ، ومعنى فارد ، وهو الكمال الحاصل للمصلّي بسبب صلاته ، وأنّ ذكر تلك الآثار وتسميتها بأسام وعناوين متعدّدة ، إنّما يكون من باب التّنوّع والتّفنّن في العبارة ، ولكن ، هذه دعوى بلا بيّنة.
ولنعم ما قال الإمام الرّاحل قدسسره : من إنّ هذه الدّعوى تخرّص على الغيب. (١)
ورابعا : أنّه لو سلّم وجود الجامع في المقام ، فلا مناص من التزام كونه أمرا عرفيّا قابلا للتّفهيم والتّفهّم حسب النّظر العرفي ، وواضح ، أنّ ما ذكره قدسسره من الجامع المستكشف بقاعدة : «الواحد» ومن ناحية البرهان الإنّي (وهو استكشاف وحدة المؤثّر الجامع لوحدة الأثر) لا يكون أمرا عرفيّا حتّى يكون مسمّى بلفظ : «الصّلاة» وموردا للأمر والخطاب ، فما لا يشار إليه إلّا بالأثر ولا يعرف إلّا من ناحيته ، كيف يوضع اللّفظ بإزائه! وكيف يصير متعلّقا للأمر والخطاب الشّرعي الملقى على وفق المفاهيم العرفيّة!
وبعبارة اخرى : أنّ حكمة الوضع ليست إلّا التّفهيم والإفادة ، فلا بدّ أن توضع اللّفظ ، بإزاء المعاني الّتي يتلقّاها أهل المحاورة وهي المعاني العرفيّة القابلة للإفادة والاستفادة عندهم ، وأمّا المعاني الدّقّية الفلسفيّة الّتي لا ينالها فهم العرف ، فلا فائدة في وضع الألفاظ بإزائها ، بل كان الوضع حينئذ لغوا.
ولا يخفى : أنّ ما قال به المحقّق الخراساني قدسسره من الجامع يكون من هذا القبيل ، حيث إنّه لا علم لكثير من أهل العرف بأنّ الصّلاة «ناهية عن الفحشاء والمنكر» وأنّها تؤثّر هذا الأثر كي يتمكّنون من استكشاف جامع ذاتي مقولي بمعونة ما اشير
__________________
(١) راجع ، تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٥٢ و ٥٣.