هذا المورد ليس مطلوب المولى وغرضه التّام ، إلّا أمرا يولّد ويحصّل بأسباب معيّنة وامتثال أمره تحصيلا يقينيّا وامتثالا قطعيّا بإتيان كلّ ما يحتمل دخله فيه ، كذلك المقام ، فالأصل فيه هو الاشتغال ، لا البراءة. (١)
ولكن أورد عليه المحقّق النّائيني قدسسره : بأنّ الأسباب المحصّلة ، إمّا أفعال توليديّة وعلل تامّة مؤثّرة في المحصّلات والمسبّبات بلا توسيط شيء آخر إلّا إرادة العبد المكلّف واختياره ، وإمّا علل وأفعال إعداديّة ، لا تؤثّر ولا تصير عللا تامّة إلّا بتوسيط فعل وإرادة غير العبد المكلّف المباشر ، ففي الاولى ، كان حكم العقل هو الاشتغال والاحتياط ، كالإحراق بالإلقاء في النّار ، حيث إنّ الإلقاء فعل توليديّ مؤثّر بتوسيط إرادة الفاعل المباشر الملقي ، ولذا كان الأمر بالإلقاء في النّار أمرا بالإحراق وبالعكس ، وعليه ، فمقتضى الأصل في مثل هذا المورد هو الاشتغال ، وفي الثّانية ، لا يجب تحصيل الغرض والمسبّب ، لخروجه عن حوزة اختيار المكلّف وحيطة إرادته ففي مثل الصّلاة ـ مثلا ـ ليست الأجزاء والشّرائط المعيّنة إلّا عللا معدّة بالنّسبة إلى الملاك والغرض القائم بها ؛ وذلك لتوقّف حصوله على تقبّل من الله تعالى ، وعليه ، فلا يجب الاحتياط ولا يجري الاشتغال بإتيان كلّ ما يحتمل دخله في الغرض والملاك ، بل المكلّف مأمور بإتيان الأسباب والعلل المعدّة بمقدار ما قامت عليه الحجّة ، وأمّا الزّائد المشكوك دخله شطرا أو شرطا ، فتجري فيه البراءة العقليّة والنّقليّة. (٢)
__________________
(١) راجع ، أجود التّقريرات : ج ١ ، ص ١١٨ و ١١٩.
(٢) راجع ، أجود التّقريرات : ج ١ ، ص ١١٩ الى ١٢١.