فتحصّل : أنّ صيغة الأمر بنفسها لا تدلّ إلّا على لزوم الإتيان بأصل الطّبيعة المأمور بها ، ولازم ذلك هو الحكم بالتّخيير بين الأفراد العرضيّة والطّوليّة الّتي هي متساوية الأقدام. نعم ، يحكم العقل بلزوم الإتيان فورا ، لو لم يطمئن المكلّف بالإتيان في الزّمن الثّاني ، بل يحتمل أنّ التّأخير موجب للتّفويت.
أمّا الدّليل الخارجي ، فهو إمّا عقليّ أو نقليّ.
أمّا العقلي ، فعن العلّامة الحائري اليزدي قدسسره أنّه يستفاد منه الفوريّة حيث قال : «إنّ الأمر المتعلّق بموضوع خاصّ غير مقيّد بزمان وإن لم يكن مدلوله اللّفظي ظاهرا في الفور ولا في التّراخي ، ولكن لا يمكن التّمسّك به للتّراخي بواسطة الإطلاق ، ولا التّمسّك بالبراءة العقليّة لنفي الفوريّة ؛ لأنّه يمكن أن يقال : إنّ الفوريّة وإن كانت غير ملحوظة للآمر قيدا للعمل ، إلّا أنّها من لوازم الأمر المتعلّق به ، فإنّ الأمر تحريك إلى العمل وعلّة تشريعيّة ، وكما أنّ العلّة التّكوينيّة لا تنفكّ عن معلولها في الخارج ، كذلك العلّة التّشريعيّة تقتضي عدم انفكاكها عن معلولها في الخارج وإن لم يلاحظ الآمر ترتّبه على العلّة في الخارج قيدا». (١)
ولكن أجاب عنه الإمام الرّاحل قدسسره وأجاد في ذلك ، حيث قال ، ما حاصله : أوّلا : أنّه لا يقاس التّشريع بالتّكوين ؛ حيث إنّهما يختلفان ويتعاكسان في العلّيّة والتّأثير ، فإنّ المعلول في التّكوين متعلّق بتمام وجوده وحيثيّته بوجود علّته ، بخلاف المعلول في التّشريع.
__________________
(١) كتاب الصّلاة ، في صلاة القضاء : ص ٣٩٢ ؛ وقد أشار إلى هذا الوجه ـ أيضا ـ شيخنا الاستاذ الآملي قدسسره تقريرا لدرس استاذه المحقّق العراقي ؛ راجع ، كتاب بدائع الافكار : ج ١ ، ص ٢٥١.