أمّا المورد الأوّل : فلأنّ الرّوايات ، إمّا تدلّ على إتيان الصّلاة ثانيا بداعي الأمر الاستحبابي وهو الجماعة ؛ وذلك ، كصحيحة زرارة المتقدّمة. وإمّا تدلّ على إتيانها ثانيا بداعي الأمر الوجوبي وهو القضاء ، كما في سائر الرّوايات المتقدّمة (١) ، فليس في شيء منها دلالة على إتيانها ثانيا بداعي الأمر الأوّل ، كما ادّعاه المتوهّم.
نعم ، قد يتوهّم ذلك من رواية أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : «اصلّي ثمّ أدخل المسجد ، فتقام الصّلاة وقد صلّيت ، فقال : صلّ معهم يختار الله أحبّهما إليه». (٢)
ولكن يجاب عنه ، أوّلا : بأنّها ضعيفة السّند ، وثانيا : بأنّها غير صريحة في جواز الامتثال بعد الامتثال ، وفي كون سقوط الأمر مراعى بعدم تعقّب الأفضل ، بل لعلّ معناها : أنّ الله تعالى يؤتي ثواب الجماعة ؛ لكونها أحبّ عنده من الصّلاة فرادى ، وهذا الإعطاء من باب التّفضّل لا الاستحقاق.
وهنا وجه آخر في تفسير الرّواية ، احتمله المحقّق الأصفهاني قدسسره قال ما هذا لفظه : «ويمكن أن يقال ـ أيضا ـ : إنّ الصّلاة المأتي بها أوّلا توجب أثرا في النّفس ، فكما أنّه يزول بضدّ أقوى ، فلا يحسب عند الله وإن لم يوجب القضاء ، كذلك ينقلب إلى
__________________
(١) نعم ، احتمل شيخ الطّائفة قدسسره هنا وجها آخر وهذه عبارته : «والمعنى في هذا الحديث : أنّ من صلّى ولم يفرغ بعد من صلاته ووجد جماعة فيجعلها نافلة ثمّ يصلّي في جماعة وليس ذلك لمن فرغ من صلاته بنيّة الفرض ، لأنّ من صلّى الفرض بنيّة الفرض ، فلا يمكن أن يجعلها غير فرض». تهذيب الأحكام : ج ٣ ، ص ٥٠ ؛ وايّده الوحيد البهبهاني قدسسره بانّه ظاهر صيغة المضارع ، راجع نهاية الدراية ، ج ١ ، ص ٢٢٩.
(٢) وسائل الشّيعة : ج ٥ ، كتاب الصّلاة ، الباب ٥٤ من أبواب صلاة الجماعة ، الحديث ١٠ ، ص ٤٥٦.