أمّا الأوّل : فقبل الورود في تحقيقه ، لا بدّ من التّنبيه على أمرين :
أحدهما : أنّ النّزاع في الإجزاء وعدمه هنا ، إنّما يتأتّى إذا كان المأتيّ به حال الاضطرار في أوّل الوقت متعلّقا للأمر ، بأن كان الملاك هو مجرّد حدوث العذر والاضطرار ولو لم يكن مستوعبا لجميع الوقت ، وإلّا فلو كان الملاك هو العذر المستوعب ، فلا معنى للنّزاع المذكور ؛ بداهة ، عدم الأمر حينئذ أوّل زمان حدوث العذر كي يمتثل ويقال : هل هو مجز ، أم لا؟ ولذلك لو اعتقد المكلّف في أوّل الوقت استيعاب العذر وصلّى ، ثم انكشف الخلاف وظهر عدم الاستيعاب ، فلا أمر أصلا ، لا واقعا ولا ظاهرا ، بل تخيّل أمر ، وهذا بخلاف ما لو قامت الحجّة على الاستيعاب وصلّى في أوّل الوقت ثمّ انكشف الخلاف ، فإنّ هذا المورد مندرج تحت المسألة الثّالثة وهي إجزاء الإتيان بالمصداق الظّاهري عن الواقعي وعدمه ، كما سيأتي تحقيقها.
ثانيهما : أنّ محلّ الكلام هنا ، هو المأمور به الاضطراري الّذي يكون ناشئا عن الملاك الواقعي ومصلحة الواقع ، وأمّا النّاشي عن مصلحة اخرى أجنبيّة عن الواقع ، فهو خارج عن محلّ الكلام ؛ وذلك مثل الأوامر الصّادرة للتّقية النّاشئة عن مصلحة نفس الاتّقاء من حفظ الأموال والأعراض والدّماء ، فتلك المصلحة ليست بواقعيّة ، فلا مجال للبحث عن الإجزاء فيها من هذه النّاحية ، ولو قيل : بالإجزاء ، لكان من جهة اخرى ، كما إذا دلّ عليه دليل خاصّ.
إذا عرفت ما ذكرنا ، فاعلم : أنّ البحث في الموضع الأوّل ، تارة يكون في مقام الثّبوت ، واخرى في مقام الإثبات.
أمّا مقام الثّبوت ، فالكلام فيه يقع فى أربع صور :
الاولى : أنّ المأمور به الاضطراري يشتمل على تمام مصلحة الواقع ، ولا ريب ،