وأمّا مقدّمة العلم ، وهي ما يتوقّف عليه العلم بشيء ، كالصّلاة إلى أربع جهات عند اشتباه القبلة ، فهي واجبة عقلا ؛ إذ ليس في الأحكام الشّرعيّة مورد كان العلم فيه واجبا شرعيّا كي يقال : بوجوب مقدّمته شرعيّا من باب الملازمة ، وعليه ، فيخرج هذا القسم عن حريم النّزاع ، أيضا.
توضيحه : أنّه لا إشكال في أنّ مورد العلم الإجمالي بالتّكليف ممّا يحكم فيه بوجوب الاحتياط ، مقدّمة للعلم بفراغ الذّمّة ، إلّا أنّ هذا الوجوب ليس إلّا بحكم العقل من باب وجوب الإطاعة والامتثال حتّى يؤمّن من العقوبة على مخالفة الواجب المنجّز ، فالوجوب عقليّ محض ، وإرشاد إلى عدم الوقوع في محذور مخالفة التّكليف المعلوم المنجّز ، لا أنّه مولويّ شرعيّ من باب الملازمة.
وهكذا الأمر في مورد الحكم بوجوب الفحص في الشّبهات الحكميّة البدويّة ، فإنّ هذا الوجوب ـ أيضا ـ عقليّ محض ، وذلك الوجهين :
أحدهما : أنّ حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان يكون موضوعه هو الشّكّ المستقرّ ، وحيث إنّه لا يتحقّق إلّا بعد الفحص عن وجود التّكليف واليأس عن الظّفر بدليله ، يحكم العقل بوجوب الفحص مقدّمة لتحصيل العلم بتحقّق الموضوع.
ثانيهما : أنّ التّكليف على تقدير وجوده في الواقع يكون منجّزا ، فيستقلّ العقل في الحكم بعدم معذوريّة المكلّف ، لو ترك العمل ، رجوعا إلى الاصول النّافية قبل الفحص ، بل يحكم بوجوب الفحص مقدّمة للعلم بعدم وجود التّكليف في الواقع ، ولو فرض ورود الأمر بالفحص من الشّارع لكان إرشاديّا محضا ، نظير ما ورد في أدلّة التّعلّم.
وكذلك الحكم بوجوب الفحص في بعض الشّبهات الموضوعيّة ، مثل الاختبار عند اشتباه الدّم بين العذرة والحيض ، فإنّ في هذا المورد حيث يعلم المكلّف إجمالا ،