البرهان على الملازمة ، وما أتى منهم بواحد خال عن الخلل ، والأولى إحالة ذلك إلى الوجدان ، حيث إنّه أقوى شاهد على أنّ الإنسان إذا أراد شيئا له مقدّمات أراد تلك المقدّمات لو التفت إليها بحيث ربما يجعلها في قالب الطّلب مثله ، ويقول : مولويّا «ادخل السّوق واشتر اللّحم» مثلا ؛ بداهة ، أنّ الطّلب المنشأ بخطاب «ادخل» مثل المنشأ بخطاب «اشتر» في كونه بعثا مولويّا ، وأنّه حيث تعلّقت إرادته بإيجاد عبده الاشتراء ترشّحت منها له إرادة اخرى بدخول السّوق بعد الالتفات إليه وأنّه يكون مقدّمة له ، كما لا يخفى». (١)
وفيه : أنّ الإحالة إلى الوجدان ليست إلّا مصادرة بالمطلوب ، بل الأمر بالعكس ، وأنّه أقوى شاهد على عدم وجوب المقدّمة ، فلا نجد في المثال المتقدّم إلّا الأمر الحقيقي والبعث الواقعي وهو المتعلّق بالاشتراء فقط ، وأمّا الأمر بدخول السّوق ، فلا شأن له إلّا التّأكيد بالنّسبة إلى اشتراء اللّحم أو الإرشاد إلى حكم العقل ، ألا ترى ، أنّ المولى لو أمر عبده بشيء وله مقدّمات ، ثمّ قال : أنا اعطي بإزاء امتثال هذا الأمر دينارا ، فليس للعبد إذا امتثل الأمر مع المقدّمات أن يطالب الآمر أكثر من دينار واحد ، وهذا ليس إلّا لعدم بعث إلى المقدّمات ، بل البعث كلّه متوجّه إلى ذي المقدّمة حتّى لو فرض البعث إلى المقدّمة ، وكونها موردا للطّلب صورة ، فهو يكون بعثا إلى ذيها باطنا وبالدّقة ، فدخول السّوق قد يؤمر به ، لا بما هو هو ، بل بما هو طريق إلى اشتراء اللّحم ، فإذا يكون البعث المقدّمي تأكيدا للبعث إلى اشتراء اللّحم.
فتحصّل ، أنّ الأدلّة لإثبات وجوب المقدّمة كلّها عليلة غير مثبتة ، ومن
__________________
(١) كفاية الاصول : ج ١ ، ص ٢٠٠.