أحدهما : أنّ إطلاق الهيئة شموليّ ، بمعنى : أنّ الوجوب مطلق على جميع التّقادير ، سواء حصل القيد أم لم يحصل ، وإطلاق المادّة بدليّ ، بمعنى : أنّ متعلّق الطّلب إنّما هو إيجاد فرد ما من الطّبيعة ، فيحصل الطّلب بإيجاد الطّبيعي في ضمن أيّ فرد من الأفراد بلا لحاظ خصوصيّة ، ومن المعلوم ، أنّ الإطلاق الشّمولي مقدّم على الإطلاق البدليّ.
ثانيهما : أنّ تقييد الهيئة يستتبع تقييد المادّة ، بمعنى : أنّه يوجب بطلان محلّ الإطلاق في المادّة ؛ إذ بعد تقييد الهيئة لم يبق محلّ الحاجة والبيان لإطلاق المادّة ، وهو واضح ، دون العكس. ومن المعلوم ، أنّه إذا دار الأمر بين التّقييدين ، كذلك كان التّقييد الّذي لا يوجب بطلان الآخر ، أولى ؛ ضرورة ، أنّ التّقييد وإن لم يكن مجازا ، إلّا أنّه خلاف الأصل ، فإذا قدّم تقييد الهيئة يلزم ارتكاب خلاف الأصل ، نظرا إلى كونه موجبا لبطلان العمل بإطلاق المادّة وهو بمنزلة التّقييد ، حيث إنّه لا فرق بين رفع الإطلاق وبين دفعه. (١)
ولكن يرد على هذين الوجهين بما أشار إليه المحقّق الخراساني قدسسره : (٢)
امّا الوجه الأوّل : فقال في ردّه ما حاصله : أنّ الملاك في الجمع الدّلالي وتقديم أحد الدّليلين على الآخر ، إنّما يكون بأقوائيّة الظّهور والدّلالة ، والمفروض : أنّ المقام ليس كذلك ؛ إذ إطلاق الهيئة وإن كان شموليّا ، إلّا أنّه كإطلاق المادّة مستند إلى مقدّمات الحكمة ، فالإطلاقان متساويان حسب الظّهور من دون ترجيح لأحدهما على الآخر ، والاختلاف بكون أحدهما شموليّا والآخر بدليّا ، إنّما هو باقتضاء
__________________
(١) راجع ، مطارح الانظار : ص ٤٩.
(٢) راجع ، كفاية الاصول : ج ١ ، ص ١٦٩ و ١٧٠.