أمّا الاصول العمليّة النّقليّة ، فلأنّها ليست قواعد علميّة ممهّدة لاستنباط الأحكام ، بل هي قواعد واصول عمليّة مقرّرة لتعيين الوظائف العمليّة ، وإخراج الشّاك المتردّد في موقف العمل ، عن الشّكّ والتّرديد بلا أىّ نظر إلى الواقع ، وأنّه هل هو الحلّ ، أو الحرمة ، أو الطّهارة ، أو النّجاسة ، مثلا؟
وبعبارة واضحة : أنّ قواعد الاستنباط ناظرة إلى الواقع ، بحيث تصيّر الجاهل به عالما به ، وهذا بخلاف القواعد والاصول العمليّة ، فإنّها ناظرة إلى تعيين الوظائف العمليّة للمكلّف حال شكّه وجهله ، فلا تخرج الجاهل بالواقع من الجهل إلى العلم به ولا تصيّره عالما به ؛ ولذلك سمّيت ب «الاصول العمليّة» وقالوا : إنّها ممّا ينتهي إليه الفقيه في مقام العمل ، بل الاصول العمليّة الشّرعيّة ، كالبراءة والاحتياط الشّرعيّين إرشادات إلى الاصول العمليّة العقليّة.
لا يقال : إنّ البراءة الشّرعيّة تدلّ على الإباحة الظّاهريّة ، وهكذا سائر الاصول العمليّة ؛ فإنّها تفيد أحكاما شرعيّة ظاهريّة ، وعلى هذا فالاصول العمليّة ـ أيضا ـ تكون من القواعد العلميّة الممهّدة لاستنباط الأحكام.
لأنّه يقال : إنّ البراءة الشّرعيّة المستفادة من «حديث الرّفع» فليس في وسعها إثبات الحكم الشّرعي ووضعه ، حتّى يصحّ استنباط الحكم منها ، بل إنّما هي ناظرة إلى نفيه ورفعه ، كما لا يخفى.
وأمّا الاصول العمليّة العقليّة ، كالبراءة والاشتغال العقليين ، فلأنّها ـ أيضا ـ كالنّقليّة قواعد عمليّة قرّرت من ناحية العقل ، لتعيين وظيفة الشّاك في موقف العمل.
وتوهّم كونها ناظرة إلى الأحكام الظّاهريّة ؛ مندفع ـ أيضا ـ بأنّ مثل البراءة ليس في وسعها إلّا التّأمين ورفع العقوبة ، فهو من الاصول المؤمّنة ، المرخّصة