تعالى ، لزم محذور النّقض والتّرجيح بلا مرجّح البتّة ، فلا مناص إذا من القول بالوضع وعدم المناسبة الذّاتيّة ، المؤيّد بالوجدان والبرهان ، على ما مرّت الإشارة إليهما.
اللهمّ إلّا أن يقال : بحصول المناسبة الذّاتيّة وطريانها بعد الوضع ، وهذا كما ترى ؛ إذ كيف يمكن أن يصير أمر اعتباريّ جعليّ (الوضع) منشأ لأمر ذاتي تكويني؟!
ثمّ إنّه قد استدلّ للقول الثّاني بأمرين :
الأوّل : أنّ مقتضى كون العلقة بين الألفاظ والمعاني وضعيّة جعليّة ، هو اختصاص بعض الألفاظ ببعض المعاني دون بعض ، وهذا كما ترى ، ترجيح بلا مرجّح وتخصيص بلا مخصّص ، لا يمكن الالتزام به.
الثّاني : أنّ مقتضى ذلك هو انعدام العلقة وانقراضها بانعدام الجاعلين والواضعين وانقراضهم ، وهذا ـ أيضا ـ ممّا يشكل الالتزام به.
ولكن يرد على الأوّل : بأنّ عدم وجدان المرجّح لا يدلّ على عدم وجوده ، ولا ينحصر التّرجيح بالعلقة الذّاتيّة حتّى ينتفي بانتفائها ، بل يمكن أن يكون أمرا آخر لاحظه الواضع ، أو المستعمل ، كسهولة التّلفّظ والأداء ، وحسن التّركيب ونحوهما.
ويرد على الثّاني : بأنّ المقام ، كسائر الامور الاعتباريّة ، إنّما يدور مدار الاعتبار ـ وجودا وعدما ، حدوثا وبقاء ـ لا المعتبر ، فيبقى ما دام الاعتبار باقيا ، ألا ترى ، أنّ بعض الألسنة والألفاظ واللّغات الّذي كان متداولا في الأعصار الماضية والقرون الخالية يكون متداولا ـ أيضا ـ في عصرنا هذا ، كما أنّ بعضا منها صارت مهجورة متروكة منقرضة ، فهل هذا إلّا لأجل دوران هذه الامور مدار الاعتبار ، فتبقى ما دام الاعتبار باقيا وتنعدم ما دام معدوما؟