وثالثا : أنّ الوضع ليس هو التّعهد والالتزام ، بل هو من قبيل الجعل والتّسمية المعبّر عنها في الفارسيّة ب «نامگذارى» كما عرفت سابقا.
الرّابع : أنّ الوضع أمر واقعيّ ، وهذا ما ذهب إليه المحقّق العراقيّ قدسسره حيث قال في توضيحه ، ما محصّله : أنّ المقصود من كونه واقعيّا ، هو أنّ الوضع ملازمة خاصّة وربط مخصوص بين طبيعيّ اللّفظ والمعنى ، ولا ريب ، أنّ هذا الرّبط الوضعي تحقّق في الخارج بعد جعل الوضع له بنحو تحقق الملازمة الطّبيعيّة بين الماهيّتين المتلازمتين في الواقع نظير طلوع الشّمس ووجود النّهار ، وزوجيّة العدد وانقسامه إلى متساويين ، غاية الأمر ، أنّ الملازمة هنا ذاتية ، وفي الوضع جعليّة ، لا أنّه من إحدى المقولات التّسعة العرضية ؛ وذلك لانّ العرض متقوّم بالموضوع في الخارج بحيث يكون وجوده في نفسه عين وجوده لغيره ، والعلقة الوضعيّة ليست كذلك ، بل هي متقوّمة بطبيعيّ اللّفظ والمعنى وإن لم يوجدا في الخارج أصلا ، ألا ترى أنّه قد يكون المعني معدوما بحمل أوّليّ أو محالا كاللّاشيء وشريك الباري. (١)
وفيه : أوّلا : أنّه قدسسره إن أراد من الملازمة ما كانت مطلقا حتّى قبل الوضع ، وبالنّسبة إلى الجاهلين به ـ أيضا ـ فمرجعها إلى القول بأنّ منشأ الدّلالة هي المناسبة الذّاتيّة بين اللّفظ والمعنى ، وقد عرفت ما فيه ، من المنع ، وأنّه ممّا يكذّبه الوجدان والبرهان ، فراجع.
وإن أراد منها ما كانت بعد الوضع ، وبالنّسبة إلى العالم به ، فهي مقبولة ، إلّا أنّها ليست هي نفس الوضع ، بل تكون من آثاره ونتائجه ، وقد تقدّم ، أنّ الوضع والدّلالة الوضعيّة أمر جعليّ اعتباريّ ، لا تكوينيّ حقيقيّ.
__________________
(١) راجع ، كتاب بدائع الأفكار : ج ١ ، ص ٢٩ ؛ ونهاية الأفكار : ج ١ ، ص ٢٥ و ٢٦.