الثّاني : أنّ الوضع أمر اعتباريّ ، بمعنى : نحو اختصاص اللّفظ بالمعنى وارتباط خاصّ بينهما ، ناش من تخصيصه به تارة ، ومن كثرة استعماله فيه اخرى. وهذا ما ذهب إليه المحقّق الخراساني قدسسره. (١)
وفيه : أوّلا : أنّ هذا التّعريف يكون من قبيل تعريف الشّيء بآثاره ولوازمه ؛ ضرورة ، أنّ الاختصاص إنّما هو من آثار الوضع لا نفسه.
وثانيا : أنّه تعريف بأمر مبهم مجمل ، وهذا ممّا لا يعهد في التّعاريف ، حيث إنّ المقصود منها هو التّوضيح والتّفصيل ، كما لا يخفى.
الثّالث : أنّ الوضع أمر اعتباريّ ، لا بمعنى : جعل العلقة بين اللّفظ والمعني الّذين لا علاقة بينهما أصلا ؛ لعدم إمكان هذا النّوع من الجعل بينهما ، بل بمعنى : تعهّد الواضع والتزامه بأنّه متى أراد معنى ، تكلّم بلفظ كذا ، وهذا ما ذهب إليه المحقّق الرّشتي قدسسره (٢) وتبعه العلّامة الحائري اليزدي قدسسره. (٣)
وفيه : أوّلا : أنّه إنّما يتمّ في العلقة التّكوينيّة الّتي لا تقبل الجعل والاعتبار ، وأمّا العلقة الوضعيّة الاعتباريّة ، كما هي المقصود في المقام ، فلا مانع من قبولها للجعل والاعتبار ، بل لا مناص من الالتزام به.
وثانيا : أنّه قد يكون الواضع غافلا عن التّعهد المذكور ، بل ربّما لا يكون مستعملا للّفظ الّذي وضعه ، حتّى يحتاج إلى الالتزام والتّعهد ، بل يضع الألفاظ ليستعملها الآخرون.
__________________
(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ١ ، ص ١٠.
(٢) بدائع الافكار ، ص ٣٦ ، حيث قال : «لبداهة أنّ الوضع فعل للواضع ...».
(٣) راجع ، درر الفوائد : ج ١ ، ص ٣٥.