وقيل : المعنى : لا يستطيعون أن يسمعوا من النبي ، لبغضهم له ولا يفقهوا حجة ، كما تقول : فلان لا يستطيع أن ينظر إلى فلان ، إذا كان يثقل عليه ذلك.
٢٢ ـ (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ)
«لا جرم» ، عند الخليل وسيبويه ، بمعنى : حقا ، فى موضع رفع بالابتداء. و «لا جرم» : كلمة واحدة بنيت على الفتح فى موضع رفع ؛ والخبر : «أنهم» ، ف «أن» فى موضع رفع عندهما.
وقيل ، عن الخليل : إنه قال : «أن» ، فى موضع رفع ب «جرم» بمعنى : بد ، فمعناه : لا بد ، ولا محالة.
قال الخليل : جىء ب «لا» ليعلم أن المخاطب لم يبتدئ كلامه ، وإنما خاطب من خاطبه.
وقال الزجاج : «لا» : نفى لما ظنوا أنه ينفعهم.
وأصل معنى «جرم» : كسب ، من قولهم. فلان جارم أهله ؛ أي : كاسبهم ؛ ومنه سمى الذنب : جرما ؛ لأنه اكتسب.
فكان المعنى عندهم : لا ينفعهم ذلك ؛ ثم ابتدأ فقال : جرم أنهم فى الآخرة هم الأخسرون ؛ أي : كسب ذلك الفعل لهم الخسران فى الآخرة ، ف «أن» من «أنهم» ، على هذا القول : فى موضع نصب ب «جرم».
وقال الكسائي : معناه : لا صد ولا منع عن أنهم فى الآخرة ، ف «أن» فى موضع نصب على قوله أيضا ، بحذف حرف الجر.
٢٧ ـ (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ
اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ
بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ)
انتصب «بادى» على الظرف ؛ أي : فى بادى الرأى ، هذا على قراءة من لم يهمز.
ويجوز أن يكون مفعولا به حذف معه حرف الجر ، ومثله : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) ٧ : ١٥٤
وإنما جاز أن يكون «فاعل» ظرفا ، كما جاز ذلك فى «فعيل» ، نحو : قريب ، و «فاعل» ، و «فعيل» يتعاقبان ، نحو : راحم ورحيم ، وعالم وعليم ؛ وحسن ذلك فى «فاعل» لإضافته إلى الرأى ، والرأى يضاف إليه المصدر ، وينتصب المصدر معه على الظرف ، والعامل فى الظرف «اتبعك» ، فهو من : بدا يبدو ، إذا ظهر.
ويجوز فى قراءة من لم يهمز أن يكون من «الابتداء» ، ولكنه سهل الهمزة.