أن قالت الأنصار : منا أمير ومنكم أمير ، وبعد أن جرد الحباب بن المنذر سيفه وقال : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، من يبارزني؟ وبعد أن قام قيس بن سعد بنصرة أبيه سعد بن عبادة حتى قال عمر بن الخطاب في شأنه ما قال. ثم بايعوا أبا بكر رضوان الله عليه ، واجتمعوا على إمامته ، واتفقوا على خلافته ، وانقادوا لطاعته» (١).
وثمة نظرية ثالثة ذهب بعض الباحثين إلى أن لها وجودا ظاهرا آنذاك ، وهي أن تكون الخلافة في بيت النبي ، وأولى الناس من قرابة النبي وأمسهم رحما به هو علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ فقدمته في الإسلام وسابقته في الذود عنه معروفة ذائعة ، ومكانه من النبي مكانه ، فهو ابن عمه وزوج ابنته فاطمة ، ووالد سبطيه الحسن والحسين ، وجهاده وفضله وعلمه لا ينكر.
على هذا النحو رأى القائلون بهذه النظرية أن بيت بني هاشم أحق بالخلافة من سواه ، وروي في ذلك أن عليّا سأل عما حدث في سقيفة بني ساعدة فقال : ما ذا قالت قريش؟ قالوا : احتجت بأنها شجرة الرسول صلىاللهعليهوسلم فقال علي : «احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة» (٢).
يريد أن المهاجرين احتجوا بأنهم من شجرة النبي فأولى بالاحتجاج من يجمعهم والنبي أنهم من ثمرة قريش وهم قرابته (٣).
ومهما يكن من أمر فقد آل أمر الخلافة إلى أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ وكانت بيعته بيعة حرة ؛ إذ توفي رسول الله صلىاللهعليهوسلم دون أن يحدد من يخلفه في هذا الأمر ، وخلا الكتاب من النص عليه أو تعيينه ، «صحيح أنه قد ورد أن النبي صلىاللهعليهوسلم أمر أبا بكر بأن يؤم المسلمين في الصلاة أثناء مرضه الذي مات فيه ، وفهم البعض أن الصحابة قد اختاروه لهذا وقالوا : قد اختاره الرسول لأمر ديننا ، فأولى أن نختاره لأمر دنيانا ، ولكن هذا لا يعد عهدا ، وإن كان في جملته يشير إلى فضل أبي بكر ومقامه بين الصحابة ؛ إذ لو كان عهدا لاستشهد به في السقيفة وحسم النزاع» (٤).
ثم عهد أبو بكر ـ لما أحس بدنو أجله وخاف على المسلمين شر الفتنة وعاقبة الخلاف
__________________
(١) أبو الحسن الأشعري ، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين ، ت : محمد محيي الدين عبد الحميد مكتبة النهضة المصرية ، الطبعة الثانية (ص ٤١).
(٢) ينظر خبر السقيفة في : ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة (ص ١٩ ـ ٦٠).
(٣) أحمد أمين ، فجر الإسلام ص ٤٠٢.
(٤) د / عبد المقصود عبد الغني ، دراسات في علم الكلام ، دار الثقافة العربية ، (ص ٦٠).