وزعم أبو الحسين الصالحي أن الصلاة ليست بعبادة لله ، وأنه لا عبادة إلا الإيمان به وهو معرفته ، والإيمان لا يزيد ولا ينقص وهو خصلة واحدة (١).
بل إن بعضهم زعم أن لو قال قائل : أعلم أن الله قد حرم أكل الخنزير ولا أدري هل الخنزير الذي حرمه هو هذه الشاة أو غيرها ، كان مؤمنا.
ولو قال : أعلم أنه قد فرض الحج إلى الكعبة ، غير أني لا أدري أين الكعبة ولعلها بالهند كان مؤمنا ، ومقصوده أن أمثال هذه الاعتقادات أمور وراء الإيمان لا أنه شاك في هذه الأمور ، فإن عاقلا لا يستجيز عقله أن يشك في أن الكعبة إلى أي جهة هي ، وأن الفرق بين الشاة والخنزير ظاهر (٢).
على هذا النحو هون المرجئة من شأن العمل ، وجعلوا الإيمان مجرد التصديق القلبي ، وإن دل عمل الجوارح على خلافه.
فلا غرو أن أطمع هذا المذهب الفساق في عفو الله ، واتخذوا من أقوال المرجئة ذريعة يبررون بها آثامهم ، حتى غدا الإرجاء دين المستهترين وعقيدة المذنبين ، وقد أثر عن زيد ابن علي بن الحسن أنه قال : «أبرأ من المرجئة الذين أطمعوا الفساق في عفو الله».
والخلاصة أن المرجئة ينقسمون إلى قسمين :
قسم : توقف في الحكم على أعمال الصحابة ، وتحرج من تصويب مواقفهم أو تخطئتها.
والقسم الثاني : منكر لأن يكون العمل جزءا من الإيمان ، وأن عفو الله يسع الصالحين والمذنبين جميعا ، وأنه لا يضر مع الإيمان معصية ، كما لا ينفع مع الشرك طاعة.
* * *
__________________
(١) مقالات الإسلاميين (١ / ٢١٤).
(٢) تاريخ المذاهب الإسلامية (ص ١٢٠ ، ١٢١) ، وانظر مقالات الإسلاميين (١ / ٢٢١).