الصواب» (١).
إن الحقيقة التي ينبغي التنويه بها والإشارة إليها في هذا المقام ، أن فرقة المرجئة على الرغم من خروجها من رحم الأحداث السياسية ، فإنها مذهب ديني فلسفي ، موضوعه البحث عن حقيقة الإيمان وعلاقة العمل به ، وكانت الغاية التي تهدف إليها ـ أصلا ـ الامتناع عن التسرع في إصدار الأحكام على أعمال الصحابة والتابعين ، ولا سيما تلك التي صدرت في خلال المنازعات التي وقعت بينهم ، فنظرة هذا المذهب إذن كانت إلى الماضي ، وكان حكمه على أعمال تاريخية (٢).
وقد صور ثابت قطنة ـ شاعر المرجئة ـ عقيدة الإرجاء خير تصوير في قصيدة له ، نجتزئ منها بهذه الأبيات :
يا هند فاستمعي لي إن سيرتنا |
|
أن نعبد الله لم نشرك به أحدا |
نرجي الأمور إذا كانت مشبهة |
|
ونصدق القول فيمن جار أو عندا |
المسلمون على الإسلام كلهم |
|
والمشركون استووا في دينهم قددا |
ولا أرى أن ذنبا بالغ أحدا |
|
م الناس شركا إذا ما وحدوا الصمدا |
بدع المرجئة وضلالهم (٣) :
إن تحرج المرجئة من الحكم على أعمال الصحابة ، وتأثمهم من تكفير صاحب الكبيرة يحمد لهم من غير مماراة ، وهم في ذلك لا يخالفون المسلمين من حيث تفويض أمر مرتكب الكبيرة إلى الله ، إن شاء عذبه ، وإن شاء تغمده برحمته وأدخله الجنة.
بيد أن المرجئة المتأخرين قد بالغوا في فصل الإيمان عن العمل ، فأتوا بدعا وضلالات تخرجهم من دائرة الإسلام أصلا ، فزعموا ـ كما أشرنا في صدر الحديث عنهم ـ أنه لا يضر مع الإيمان ذنب جلّ أو صغر ، كما لا يجدي مع الشرك والكفر طاعة ، فالإيمان في القلب واللسان ، وهو المعرفة بالله تعالى ، والمحبة والخضوع له بالقلب (٤).
__________________
(١) محمد أبو زهرة ، تاريخ المذاهب الإسلامية (ص ١١٩).
(٢) انظر : ضياء الدين الريس ، النظريات السياسية ، (ص ٨٦).
(٣) ينظر : أصول الدين للبزدوي (ص ٢٥٢) ، نشر الطوالع (ص ٣٩٠) ، الفرق بين الفرق (١ / ١٩٠) ، والفصل في الملل والنحل (٤ / ١٥٤) ، والمواقف (٣ / ٧٠٥) ، والتنبيه والرد على أهل الأهواء (١ / ٤٣) ، كشاف اصطلاحات الفنون (٣ / ٣) ، فجر الإسلام (٢٧١) ، التفكير الفلسفي في الإسلام (١ / ٢٠٥) ، الخطط والآثار للمقريزي (٤ / ١٧١) ، الفرقان بين الحق والباطل لابن تيمية (ص ٢٩) ، الموسوعة الإسلامية العامة (ص ١٢٨٠).
(٤) الفرق بين الفرق (ص ٢١٢).