والأمويون يقاتلون الجميع ويرون أنهم ضالون مضلون ، «فظهرت المرجئة تسالم الجميع ، ولا تكفر طائفة منهم ، وتقول : إن الفرق الثلاث : الخوارج والشيعة والأمويين مؤمنون ، وبعضهم مخطئ وبعضهم مصيب ، ولسنا نستطيع أن نعين المصيب ، فلنترك أمرهم جميعا إلى الله ، ومن هؤلاء بنو أمية ، فهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فليسوا إذن كفارا ولا مشركين ، بل مسلمين نرجئ أمرهم إلى الله الذي يعرف سرائر الناس ويحاسبهم عليها» (١).
والحق أن هذه الفرقة قد وجدت لنفسها من مواقف بعض الصحابة تجاه الفتنة مستندا دعمت به وجهة نظرها ، بل يصح لنا أن نعتبر مواقف هؤلاء الصحابة البذرة الأولى التي نبتت منها المرجئة ، وتفصيل ذلك أن ثمة من الصحابة فئة لما رأوا الفتنة محدقة بالمسلمين ، ومقالة الكفر فاشية بين الناس جارية على ألسنتهم يرمون بها كل أحد مهما علا قدره وتميزت مكانته ـ : اعتصمت هذه الفئة من الصحابة بالصمت ، وأحجمت عن الانخراط في الفتنة ، وتمسكت بحديث أبي بكرة أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ستكون فتن : القاعد فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ، ألا فإذا نزلت أو وقعت ، فمن كان له إبل فليلحق بإبله ، ومن كان له غنم فليلحق بغنمه ، ومن كان له أرض فليلحق بأرضه ، فقال رجل : يا رسول الله ، من لم تكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر ، ثم لينج إن استطاع النجاة» (٢).
ومن الصحابة الذين امتنعوا عن المشاركة في الفتنة عملا بحديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم : سعد ابن أبي وقاص ، وعبد الله بن عمر ، وأبو بكرة راوي الحديث وعمران بن الحصين ، وروي أن سعد بن أبي وقاص كان يقول إذا سئل القتال : «لا أقاتل حتى تأتوني بسيف يقول : هذا مؤمن وهذا كافر».
«وبهذا أرجئوا الحكم في أيّ الطائفتين أحق ، وفوضوا أمورهم إلى الله سبحانه وتعالى. وقد قال النووي في ذلك : «إن القضايا كانت بين الصحابة مشبهة ، حتى إن جماعة من الصحابة تحيروا فيها فاعتزلوا الطائفتين ، ولم يقاتلوا ، ولم يتيقنوا
__________________
(١) أحمد أمين ، فجر الإسلام (ص ٤٤٢).
(٢) أخرجه مسلم (٤ / ٢٢١٢) كتاب الفتن باب نزول الفتن (١٣ / ٢٨٨٧) ، وأحمد (٥ / ٣٩ ، ٤٨).
وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري (٦ / ٧٠٨) كتاب المناقب باب علامات النبوة (٣٦٠٤) ، ومسلم (١٠ / ٢٨٨٦) في الموضع السابق.