الصدام الفكري بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى :
لم يكد القرن الأول الهجري ينتهي حتى كان المسلمون قد ضموا إلى دولتهم أقطارا شاسعة متباينة في الدين والعقيدة تباينها في نمط الحياة وطريقة العيش ، ففتحت بلاد العراق وفارس وما وراءهما ، والشام ومصر وما يليهما ، وأوغل المسلمون في الفتح فعبروا المحيط الأطلسي إلى أوربا ومدوا نفوذهم إلى الأندلس.
والحق أن حركة الفتوحات هذه قد امتد تأثيرها ليشمل إلى الجوانب السياسية والاقتصادية الدين والعقائد وما يرتبط بهما من شئون الفكر وألوان الثقافة ، وذاك أمر ما نعلم أن أحدا من الدارسين أو الباحثين قد شكك فيه أو غض الطرف عنه ، بل جلّ الباحثين الذين ينظر إليهم بعين الاحترام والاعتبار قد أرجعوا نشأة علم الكلام والتفكير الفلسفي في الإسلام إلى هذا السبب ، بالإضافة إلى أسباب أخرى أشرنا إلى بعضها وقد نشير فيما بعد إلى بعضها الآخر ، ولا غرابة في ذلك إذا نحن علمنا أن هذه البلاد المفتوحة لها عقائدها ودياناتها وثقافاتها المختلفة فتجد النصرانية في مصر والشام والعراق وإفريقية ، وتطل عليك اليهودية من العراق وشمال الحجاز ، ولو قد مددت ببصرك إلى فارس وما وراء النهر لرأيت الزرادشتية والمانوية والمزدكية ، وتستطيع أن تقف في غير ما صعوبة ومشقة على الفلسفة اليونانية منبثة في ثنايا هذه الأقطار.
إذا علمت ذلك كله ـ وما نحسب ذلك أمرا عسيرا ـ فإنك لا محالة تتبين أثر هذه الثقافات المختلفة والديانات المتباينة في العقيدة الإسلامية ، ومدى ما أسهمت به في تطورها عما كانت عليه في العهد الأول ، وما أضافته إلى البحث الديني والإسلامي من مسائل وأفكار لم يكن للمسلمين عهد بها ولا تفكير فيها ، ودونك أيها القارئ الكريم بعض الأمثلة :
تحدث اليهود في النسخ ولم يجيزوا القول به ، فالشريعة عندهم ابتدأت بموسى وتمت به ، واهتموا بمسائل الذات والصفات إذ وجدوا في توراتهم ما يدعو إلى ذلك من النزول عند طور سيناء انتقالا ، والاستواء على العرش استقرارا ، وجواز الرؤية وغير ذلك.
كما ناقش اليهود فكرة القدر وانقسموا حولها إلى فريقين : فريق يرى الجبر والاستسلام ، وفريق يرى القدرة والاختيار.
وقال اليهود بالرجعة ، فزعموا أن هارون مات وسيرجع ، ومنهم من قال : غاب وسيرجع.