على هذا النحو كان تأثر معتزلي بغداد بالفلسفة اليونانية عظيما ، ولقد مزجوا هذه الفلسفة بدرس العقائد الإسلامية ، على نحو ما سنعرف عند حديثنا عن منهج المعتزلة.
وقد افترقت المعتزلة إلى اثنتين وعشرين فرقة وهي : الواصلية ، والعمروية ، والهذلية ، والنظامية ، والأسوارية ، والمعمرية ، والإسكافية ، والجعفرية ، والبشرية ، والمرداوية ، والهاشمية ، والثمامية ، والجاحظية ، والخابطية ، والحمارية ، والخياطية ، وأصحاب صالح قبة ، والمريسية ، والشحامية ، والكعبية ، والجبائية ، والبهشمية المنسوبة إلى أبي هاشم الجبائي.
فهذه ـ كما يذكر البغدادي ـ ثنتان وعشرون فرقة ، فرقتان منها من جملة فرق الغلاة في الكفر ، وهما : الخابطية والحمارية ، وعشرون منها قدرية محضة (١).
على أن ثمة أصولا مشتركة تؤلف بين هذه الفرق المختلفة ، درج الباحثون على نعتها بالأصول الخمسة ، ونرجئ الحديث عنها بعد أن نلم بمنهج المعتزلة في درس العقائد.
ثالثا : منهج المعتزلة في درس العقائد (٢) :
أشرنا فيما سبق إلى أن للسلف ـ رضوان الله عليهم ـ طريقة في فهم العقيدة تنهض على ساق من النصوص ـ القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة ـ وساق من المعرفة العميقة باللغة العربية والفقه الواسع بأسرارها ، ولم يكونوا ينحرفون قليلا أو كثيرا عن هذا المنهج الذي أرسى دعائمه الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فإذا ما اشتبه عليهم أمر من أمور العقيدة توقفوا فيه وفوضوا أمره إلى الحق تبارك وتعالى.
ولسنا في حاجة إلى أن نقرر أن السلف الصالح قدموا النقل على العقل ، وكانت مهمة العقل لديهم مقصورة على فهم النصوص دون تأويل ، فلا غرو أن كان العقل تابعا للنقل أو النص أو الوحي ، سمه ما شئت.
__________________
(١) الفرق بين الفرق (ص ١٣١).
(٢) ينظر : مقالات الإسلاميين (١ / ١٥٥) ، الفرق بين الفرق (١ / ٩٣) ، تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل (١ / ٢٨٤) ، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين (١ / ٣٨) ، التبصير في الدين (١ / ٦٧) ، الفصل في الملل والنحل (٣ / ٥٦) ، التعريفات للجرجاني (١ / ٢٨٢) ، المواقف للإيجي (٣ / ٦٥٧) ، أصول الدين للبزدوي (ص ٢٥٠) ، شرح العقيدة الطحاوية (ص ٥٢٨) ، شرح الخريدة البهية (ص ١٠١) ، تاريخ الجهمية والمعتزلة للقاسمي (ص ٤٤) ، نشر الطوالع (ص ٣٨٨) ، أصول الدين للبغدادي (ص ٣٣٥) ، الزينة لأبي حاتم (ص ٢٧٤) ، حاشية أحمد ملا على شرح العقائد النسفية (١ / ٥٣) ، أدب المعتزلة للدكتور عبد الحكيم بلبع (ص ٦٢) ، المعتزلة لزهدي جار الله (ص ٢٤٥) ، الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري (١ / ١٠٢) ، الموسوعة الإسلامية العامة (ص ١٣١٨).