سمي المرء مؤمنا ، وهو اسم مدح ، والفاسق لم يستكمل خصال الخير ، ولا استحق اسم المدح ، فلا يسمى مؤمنا ، وليس هو بكافر أيضا ؛ لأن الشهادة وسائر أعمال الخير موجودة فيه ، لا وجه لإنكارها ، لكنه إذا خرج من الدنيا على كبيرة من غير توبة فهو من أهل النار خالد فيها ؛ إذ ليس في الآخرة إلا الفريقان : فريق في الجنة وفريق في السعير ، ولكنه تخفف النار عليه» (١).
ويتضح من كلام واصل بن عطاء أن المعتزلة يرون أن مرتكب الكبيرة خالد في النار وقد ترتب على هذا المبدأ «أن مرتكب الكبيرة لا حظ له من شفاعة النبي صلىاللهعليهوسلم ، فالشفاعة ـ عند المعتزلة ـ ليست لأصحاب الكبائر ؛ لأن العدل يقتضي أن يعذب العاصي على معصيته ، والشفاعة تتنافى مع هذا العدل ، فالشفاعة عندهم ليست لهؤلاء وإنما هي للصالحين ، والمعتزلة بهذا الرأي ينكرون أو يؤولون كثيرا من الأحاديث التي تثبت الشفاعة للنبي صلىاللهعليهوسلم ولغيره من العلماء والشهداء والصالحين ، وهذه الشفاعة تنال أصحاب المعاصي فيخرجون بفضلها من النار ، فلا يبقى في النار بعد الشفاعة إلا من حبسهم القرآن المجيد وهم الكفار ؛ لأن هؤلاء لا يغفر الله لهم ولا تنالهم رحمته» (٢).
٥ ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
هذا هو الأصل الخامس من أصول المعتزلة المتفق عليها ، فقد قرروا ذلك على المؤمنين أجمعين ، نشرا لدعوة الإسلام وهداية للضالين ، ودفعا لهجوم الذين يحاولون تلبيس الحق بالباطل ؛ ليفسدوا على المسلمين أمر دينهم ، ولذلك تصدوا للذود عن الحقائق أمام سيل الزندقة التي اندفعت في أول العصر العباسي ، تهدم الحقائق الإسلامية ، وتفكك عرا الإسلام عروة عروة ، كما تصدوا أيضا لمناقشة أهل الحديث والفقه ، وحاولوا حملهم على اعتناق آرائهم بالحجة والبرهان أو بالشدة وقوة السلطان (٣).
تلك هي الأصول الخمسة التي أجمع عليها المعتزلة ، ولا يستحق متكلم أن ينسب إلى اعتزال دون أن يؤمن بها.
* * *
__________________
(١) ينظر : الملل والنحل للشهرستاني (١ / ٥٣).
(٢) د / عبد المقصود عبد الغني ، دراسات في علم الكلام (ص ٩٥).
(٣) محمد أبو زهرة ، تاريخ المذاهب الإسلامية (ص ١٢٩).