المعتزلة في رأي الأشعري شر من مذهب المجوس الذين جعلوا لله شريكا واحدا وهو الشيطان (١).
وساق الغلو في استخدام المعتزلة للعقل إلى القول بوجوب الصلاح والأصلح على الله ، وهو المبدأ الذي هدمه الأشعري في مناظرته لأستاذه أبي علي الجبائي ، وكان أحد الأسباب المباشرة في رفض الأشعري لمنهج المعتزلة وانصرافه عنه ، فمن نحن حتى نوجب على الله شيئا؟! فالعقيدة الصحيحة أن الله يثيب الطائع ويدخله الجنة لا بعمله ، ولكن بتفضله ورحمته.
ومن المسائل الكبرى التي أخذها الأشعري على المعتزلة القول بخلق القرآن ، «فجعلوه مشابها في الخلق والحدوث لجميع الأشياء الحادثة التي تنقصها القداسة ، ونفوا أن يكون صفة لله تعالى ، فخالفهم الأشعري في ذلك وقرر في كتاب الإبانة : أن القرآن كلام الله غير مخلوق ، وهو رأي السلف الذي تمسك به الإمام أحمد بن حنبل ، غير أن الأشعري قدم بين يديه أدلة سمعية وأخرى عقلية ، وبذل جهده لإبطال رأي المعتزلة» (٢).
والخلاصة أن الأشعري لم يرض عن طريقة المعتزلة في النظر إلى العقيدة ، وهي طريقة سداها ولحمتها التعويل على العقل والاستقلال به في تأسيس الأحكام في أصول الدين ، مما جعلهم يفسرون العقيدة والتوحيد تفسيرا لم يدل عليه الكتاب ولا السنة ولا قاله أحد من الأئمة ، وصدق فيهم قول جولد تسيهر : «إنهم رفعوا العقل إلى مرتبة القياس والدليل في أمور الدين والإيمان» (٣).
نقد الأشعري للحشوية :
يطلق مصطلح الحشوية على طائفة من الحنابلة وجماعة من الشيعة ، تمسكوا بحرفية النصوص ، وحملوها على ظاهرها حملا انتهى بهم إلى القول بالتشبيه والتجسيم ؛ يقول الشهرستاني : «إن جماعة من الشيعة الغالية وجماعة من أصحاب الحديث الحشوية صرحوا بالتشبيه ، قالوا : إن معبودهم صورة ذات أعضاء وأبعاض إما روحانية أو جسمية يجوز عليه الانتقال والنزول والصعود والاستقرار والتمكن» (٤).
واستدل هؤلاء على رأيهم بنصوص من القرآن أثبتت لله سبحانه وتعالى بعض الصفات
__________________
(١) الإبانة للأشعري ص (١١).
(٢) دراسات في علم الكلام ، د / عبد المقصود عبد الغني (ص ١٠٨).
(٣) العقيدة والشريعة ، جولد تسيهر (ص ٩١).
(٤) ينظر : الملل والنحل للشهرستاني (٣ / ١٩٥).