من الاستواء واليد والعين والوجه ، فأثبتوها إثباتا ماديّا ، فأجازوا على الله الملامسة والمصافحة ، كما عولوا على بعض الأحاديث التي يؤدي معناها المادي الظاهري معنى التجسيم ؛ كقوله صلىاللهعليهوسلم : «خلق الله آدم على صورته» (١) ، وقوله : «قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن» (٢).
وقد انتقد الأشعري هذه الطائفة وشدد النكير عليها ، ورماهم بضعف النظر العقلي الذي أداهم إلى آرائهم الشاذة في التجسيم الذي يتنافى مع الوحدانية الصحيحة ، وألف رسالة سماها : «استحسان الخوض في علم الكلام» ، أشار فيها إلى ضرورة النظر العقلي في مسائل الاعتقاد ، وأننا لن نعدم من الأدلة القرآنية ما يؤيد أن المنهج السليم ينبغي أن يقوم على النقل والعقل جميعا فقال :
«إن طائفة من الناس جعلوا الجهل رأس مالهم ، وثقل عليهم النظر والبحث عن الدين ، وطعنوا على من فتش في أصول الدين ، وزعموا أن الكلام في الحركة والسكون والجوهر والعرض والجزء والطفرة بدعة وضلالة ، مستدلين بأن شيئا من ذلك لم يؤثر عن النبي صلىاللهعليهوسلم وخلفائه وأصحابه ولو كان خيرا لتكلموا فيه».
فأجابهم الأشعري بقوله : لم قلتم : إن البحث في ذلك بدعة مع أن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يقل بأن من بحث عن ذلك وتكلم فيه فاجعلوه مبتدعا ضالّا؟! فقد لزمكم أن تكونوا مبتدعة ضلالا ؛ لأنكم قلتم ما لم يقله صلىاللهعليهوسلم.
ثم إن الحركة والسكون والاجتماع والافتراق موجود في قصة إبراهيم ـ عليهالسلام ـ وأفول الكواكب والشمس والقمر.
وقوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] دليل الوحدانية في القرآن الكريم ، وكلام المتكلمين في التوحيد والتمانع والتغالب فإنما مرجعه هذه الآية.
وطريقة إلزام الخصم نأخذها من القرآن الكريم ، فحينما جاء الحبر السمين وقال للنبي صلىاللهعليهوسلم : (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٩١] يريد بذلك إنكار نبوة محمد ، فرد القرآن عليه : (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى) [الأنعام : ٩١] وهذا إلزام أقر به الخصم.
كما استدل الأشعري على إبطال حوادث لا أول لها من سنة النبي صلىاللهعليهوسلم حيث قال : «فمن
__________________
(١) تقدم.
(٢) تقدم.