المجاز وليس على الحقيقة ، وذلك لأنه لم يسمع قول فلان حقيقة ؛ ولم يسمع كلامه وإنما سمع صوتا يفهمه به.
وبناء على ذلك فإن الماتريدية يقولون بأن موسى ـ عليهالسلام ـ لم يسمع كلام الله ، وإنما سمع صوتا دالّا عليه ، ولقد خلق الله تعالى هذا الصوت ، وليس ذلك لأحد من خلقه.
فالماتريدي يرى أن كلام الله القديم لا يسمع ، وأن ما نسمعه من الحروف والأصوات ليست هي كلام الله بذاتها ؛ وذلك لأنها عرض ، والعرض لا يبقى زمانين (١).
الأشاعرة :
يقول الأشاعرة بأن الكلام إنما يراد به الصفة القديمة.
يقول البيجوري في شرح الجوهرة عن الكلام : «إنه صفة أزلية قائمة بذاته ، ليست بصوت ولا حرف منزهة عن التقديم والتأخير ، ومنافية للسكوت والآفة».
ويقول أبو الحسن الأشعري : «إن كلامه واحد ، هو أمر ونهي وخبر واستخبار ووعد ووعيد ، وهذه الوجوه ترجع إلى اعتبارات في كلامه لا إلى عدد في نفس الكلام» (٢).
ويجب أن يعرف أن الإمام أبا الحسن الأشعري لا ينكر الكلام اللفظي ، وإنما يثبت الكلام النفسي واللفظي ، ويتضح ذلك من قوله : «وأجمعوا على إثبات حياة لله عزوجل لم يزل بها حيّا ، وعلما لم يزل به عالما ، وقدرة لم يزل بها قادرا ، وكلاما لم يزل به متكلما ، وإرادة لم يزل بها مريدا ، وسمعا وبصرا لم يزل بهما سميعا بصيرا» (٣).
ويتضح من عرض رأي كل من السادة الماتريدية والأشاعرة أن الماتريدية يتفقون مع الأشاعرة في إثبات صفة الكلام لله تعالى ، وأن الماتريدية يرون أن حقيقة الكلام لا تسمع في الشاهد ، وإنما تسمع على سبيل الموافقة والمجاز.
ويظهر الخلاف بين الماتريدية والأشاعرة فيما سمعه موسى ـ عليهالسلام ـ أن الماتريدية يذهبون إلى أن موسى ـ عليهالسلام ـ لم يسمع كلام الله القديم وإنما سمع أصواتا دلت عليه ، وخص موسى بذلك ؛ لأنه بغير واسطة الكتاب والملك.
__________________
(١) انظر : شرح البيجوري للجوهرة ص (٨٥).
(٢) انظر : الملل والنحل للشهرستاني (١ / ٨٧ ، ٨٨).
(٣) انظر : الاقتصاد في الاعتقاد (ص ٣٥٣) وما بعدها بتصرف.
وانظر كذلك : الروضة البهية (١٩٦) وما بعدها.