الذي دفع الصحابة إلى هذا الأخذ ، هو ما جاء في القرآن الكريم من قصص مبثوثة في ثناياه عن أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، وبعض هذه القصص جاء مجملا ، فكانت «نفوس الصحابة تتوق إلى معرفة تفاصيل بعض القصص في القرآن والذي لم يسأل النبي فيه ، فكانوا لا يتحرجون في سؤال أهل الكتاب من جيرانهم فيما يتعلق بهذه التفاصيل التي لا تتعلق بحكم أو تشريع ، وإنما هي تشبع حالة الفضول الإنساني إلى المزيد من المعرفة» (١) ؛ مستندين في ذلك إلى حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم الذي يقول فيه : «بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، وحدثوا عني ولا تكذبوا علي ، ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» (٢)(٣).
ولقد حدد ابن كثير المراد من هذا الحديث ، فقال : «هو محمول على الإسرائيليات المسكوت عنها عندنا ، فليس عندنا ما يصدقها ولا يكذبها ، فيجوز روايتها للاعتبار ، فأما ما شهد له شرعنا بالصدق فلا حاجة بنا إليه ؛ استغناء بما عندنا ، وما شهد له شرعنا
__________________
ـ وسلم ـ وبين أهل الكتاب بغرض دعوتهم إلى الإسلام ، ووجدت عوامل هيئات تسرب الإسرائيليات إلى تفسير القرآن الكريم ، ومن هنا وجدنا الصحابة يأخذون عن أهل الكتاب في تفسيرهم ، وتتابع الأخذ في العهود التالية ، ونشأت الدراسات الكثيرة الناقدة لما في التفاسير المعتمدة على ما عند أهل الكتاب ، ومصححة ما فيها : ينظر : د. آمال محمد عبد الرحمن ربيع الإسرائيليات في تفسير الطبري ـ دراسة في اللغة والمصادر العبرية (المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، القاهرة ١٤٢٢ ه ـ ٢٠٠١ م) ص ٢٦ ، ٢٧.
(١) السابق ص ٢٨.
(٢) ورد من حديث عبد الله بن عمرو وأبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري وجابر.
فأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه البخاري (٦ / ٥٧٢) في أحاديث الأنبياء ، باب ما ذكر عن بني إسرائيل (٣٤٦١) ، والترمذي (٥ / ٣٩) في العلم ، باب ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل (٢٦٦٩) ، وأحمد (٢ / ١٥٩) من طريق حسان بن عطية عن أبي كبشة عن عبد الله بن عمرو رفعه «بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» وكذا أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (٤ / ١٢٨) ، والخطيب في التاريخ (١٣ / ١٥٧) وعبد الرزاق (١٠١٥٧) والدارمي (١ / ١٣٦) ، وأبو نعيم في الحلية (٦ / ٧٨). وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود (٢ / ٣٤٦) في العلم ، باب الحديث عن بني إسرائيل (٣٦٦٢) ، وأحمد (٢ / ٤٧٤ ، ٢٠٥) والحميدي (٢ / ٤٩١ ، ٤٩٢) برقم (١١٦٥) ، وابن أبي شيبة في الأدب (٩ / ٦٢) ، باب في الرخصة في حديث بني إسرائيل وابن حبان (١٠٩ ـ موارد) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة به وكذا أخرجه الشافعي في مسنده (١ / ١٧) برقم (١٧) والخطيب في شرف أصحاب الحديث برقم (١٩). وأما حديث أبي سعيد الخدري أخرجه أبو يعلى في مسنده (١٢٠٩) من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عنه مرفوعا بنحوه.
وأما حديث جابر فأخرجه ابن أبي شيبة (٩ / ٩٢).
(٣) البداية والنهاية (دار الفكر ، بيروت ـ لبنان ، ١٩٧٨) (١ / ٦ ، ٧).