بالبطلان فذاك مردود لا يجوز حكايته إلا على سبيل الإنكار والإبطال».
وهذا الذي قاله ابن كثير اتبعه الصحابة ، فدققوا في الأخذ عن أهل الكتاب ، وكان أخذهم في أضيق الحدود ، وما أشيع عنهم من توسعهم في الأخذ عن أهل الكتاب قد يكون مرجعه إلى أنه قد وضع عليهم الكثير ، ودس عليهم من أقوال أهل الكتاب الكثير من الروايات التي لم يعتمدوها ، فأوهم ذلك المتأخرين توسع الصحابة في الأخذ عنهم.
وتأكيدا لهذا يقول الدكتور الذهبي : «رجوع بعض الصحابة إلى أهل الكتاب ، لم يكن له من الأهمية في التفسير ما للمصادر الثلاثة السابقة (١) ، وإنما كان مصدرا ضيقا محدودا ؛ وذلك أن التوراة والإنجيل وقع فيهما كثير من التحريف والتبديل ، وكان طبيعيّا أن يحافظ الصحابة على عقيدتهم ، ويصونوا القرآن عن أن يخضع في فهم معانيه لشيء مما جاء ذكره في هذه الكتب التي لعبت فيها أيدي المحرفين ، فكانوا لا يأخذون عن أهل الكتاب إلا ما يتفق وعقيدتهم ولا يتعارض مع القرآن» (٢).
إن ورع الصحابة وصدق إيمانهم جعلهم يسلكون في الأخذ عن أهل الكتاب مسلكا آمنا ، متمثلين وصية رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا» (٣) ، هذا فيما يتعلق بالغيبيات أو الأخبار التاريخية المفصلة في الكتب السابقة. أما فيما يتعلق بالعقيدة أو الأحكام الشرعية ، أو ما لا يكون لمعرفة تفاصيله والوقوف على حقيقته فائدة تذكر ، فقد كانوا يعدون ذلك قبيحا من قبيل تضييع الأوقات (٤).
كما كانوا يردون على أهل الكتاب مقالاتهم المخالفة للشريعة ، ونختار للاستشهاد على ذلك موقف الصحابي الجليل أبي هريرة في مراجعته ومحاورته لهذين الكتابيين ـ كعب الأحبار وعبد الله بن سلام ـ حول ساعة يوم الجمعة التي عناها رسول الله صلىاللهعليهوسلم في قوله : «فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه وأشار
__________________
(١) يقصد : تفسير القرآن بالقرآن ، وتفسير القرآن بالسنة ، والاجتهاد والاستنباط في التفسير.
(٢) التفسير والمفسرون (١ / ٦٣).
(٣) أخرجه البخاري (٩ / ٢٢ ـ ٢٣) كتاب التفسير باب (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا) (٤٤٨٥) والنسائي في الكبرى (٦ / ٤٢٦) كتاب التفسير باب سورة العنكبوت ، وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب كما في الدر المنثور (٥ / ٢٨٢).
(٤) ينظر : ولي الله الدهلوي : الفوز الكبير في أصول التفسير (طبع المنيرية ، مصر) ص ٣٥ ، ود.
الذهبي : الإسرائيليات في التفسير والحديث (طبع مجمع البحوث الإسلامية ، القاهرة ١٩٨٦ م) ص (٥٨).