ويرى الدكتور حسن إبراهيم حسن أن أبا جعفر المنصور كان مدفوعا إلى ذلك بما كان بينه وبين أبي مسلم من حزازات شخصية قديمة ، وقد زاد أبو مسلم النار اشتعالا بتماديه في زهوه وإعجابه بنفسه وإسرافه في قتل النفوس البريئة بغير شفقة ولا رحمة.
كما يرى د / حسن أن إخلاص أبي مسلم وتفانيه في نصرة العباسيين أمر لم يقم الدليل بعد على إضعافه أو دحضه (١).
ومهما يكن من أمر فقد كان القضاء على أبي مسلم ضرورة ألجأ المنصور إليها سطوة أبي مسلم وازدياد نفوذه ، مع ما ينطوي عليه ذلك من مناوأة له وتهديد لحكمه.
ثورات العلويّين : محمد النفس الزكية وأخوه إبراهيم :
أشرنا من قبل إلى أن الدعوة العباسية قد رفعت شعار : «الرضا من آل محمد» حتى تأمن مناوأة العلويين لهم ، وخروجهم عليهم إن هم كشفوا عن نواياهم الحقيقية في الاستئثار بمنصب الخلافة ، «فلما ظفر العباسيون بالخلافة وأقاموا دولتهم على أنقاض دولة بني أمية ، لم يرق ذلك في نظر العلويين ولم تطب بذلك نفوسهم ، على الرغم من أن الجميع من أولاد هاشم ، وعلى الرغم من كونهم يدا واحدة على بني أمية ، واشتراكهم في العمل على إزالة دولتهم ؛ إذ أدركوا أن العباسيين قد خدعوهم واستأثروا بالخلافة دونهم مع أنهم أحق بها منهم ، فنابذوهم العداء ونظروا إليهم كما كانوا ينظرون إلى الأمويين من قبل ، فظلوا يناضلون ويكافحون ابتغاء الوصول إلى حقهم في الخلافة» (٢).
ولا تمر سنوات كثيرة من عمر الخلافة العباسية حتى يخرج على أبي جعفر المنصور محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المعروف بالنفس الزكية وأخوه إبراهيم.
ولم تنجح محاولات العباسيين في استرضاء العلويين من القول اللين حتى العطاء الجزيل ؛ فقد كان النفس الزكية يرى أنه أحق بالخلافة وأن أبا جعفر المنصور قد اغتصبها واستأثر بها من دونه ، فامتنع في أول الأمر عن مبايعة السفاح ثم تخلف هو وأخوه إبراهيم عن بيعة المنصور ، فلم يجد المنصور بدّا من العمل على التخلص منهما حتى يستقيم له أمر الملك.
وكان أن عهد المنصور بولاية المدينة إلى رباح بن عثمان بن حيان ابن عم مسلمة بن
__________________
(١) حسن إبراهيم حسن ، تاريخ الإسلام (٢ / ١٠٣).
(٢) حسن إبراهيم (٢ / ١٢٢).