عقبة قائد الحرة في عهد يزيد بن معاوية ، فقدم عثمان المدينة سنة ١٤١ ه وخطب أهلها خطبة سداها ولحمتها التهديد والتخويف ، فكان مما قال فيها : «يا أهل المدينة أنا الأفعى ابن الأفعى عثمان بن حيان وابن عم مسلمة بن عقبة ، المبيد خضراءكم المفني رجالكم ، والله لأدعنها بلقعا لا ينبح فيها كلب» (١).
بيد أن أهل المدينة قد هوت أفئدتهم إلى محمد النفس الزكية ، وتدفقت نفوسهم حماسة لآل بيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلم يحفلوا بتهديد عثمان ، بل أغلظوا له القول وهموا بالفتك به.
فكتب إليهم المنصور قائلا : «يا أهل المدينة ، فإن واليكم كتب إلي يذكر غشكم وخلافكم وسوء رأيكم واستمالتكم على بيعة أمير المؤمنين ، وأمير المؤمنين يقسم بالله لئن لم تنتهوا ليبدلنكم بعد أمنكم خوفا ، وليقطعن البر والبحر عنكم ، وليبعثن عليكم رجالا غلاظ الأكباد بعاد الأرحام» (٢).
ولم يزحزح كتاب المنصور أهل المدينة عن موقفهم ، بل لعله زادهم إصرارا على الانتصار للعلويين ، فقبض عامله على عبد الله بن الحسن أبي محمد النفس الزكية وإخوته وذوي قرباه.
بيد أن عبد الله لم يكن بالرجل الذي تلين قناته ، بل كان يعتقد في أحقية ابنه بالخلافة دون المنصور والسفاح من قبله (٣). فطلب إلى ابنه أن يواصل مناجزة العباسيين ، وألا يحفل بما يعوقه في سبيل الحق من صعوبات.
واشتد إيذاء المنصور لأشياع النفس الزكية ، وعظم البلاء النازل بهم حتى اضطروا محمدا إلى الخروج ، ولما تتهيأ الظروف بعد لخروجه وذلك في سنة ١٤٥ ه ، وقد شجعه على ذلك ظنه إجماع الناس على نصرته وشدة ميلهم إليه ، وتلك الفتوى التي أفتى بها الإمام مالك بن أنس ؛ حيث أفتى بجواز نقض بيعة المنصور حين قال لأهل المدينة : «إنما بايعتم مكرهين وليس على مكره يمين» (٤).
__________________
(١) تاريخ الطبري (٧ / ٥١٧) ، ابن الأثير (٥ / ٥١٣).
(٢) ينظر حسن إبراهيم (٢ / ١٢٦) نقلا عن تاريخ اليعقوبي (٢ / ٤٥٠).
(٣) حسن إبراهيم حسن (٢ / ١٢٧).
(٤) هذا أثر مروي عن ابن عباس موقوفا أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٥ / ٤٨) من طريق هشيم عن عبد الله بن طلحة الخزاعي ، عن أبي يزيد المديني عن عكرمة عن ابن عباس ... ورجاله ثقات وعلقه البخاري (٩ / ٣٤٣ ـ فتح) في كتاب الطلاق وقال الحافظ في المصدر السابق وصله ابن أبي ـ