وكل هذه التفاسير مروية بالإسناد إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وإلى الصحابة ، والتابعين ، وتابعي التابعين ، وليس فيها شيء من التفسير أكثر من التفسير المأثور ، اللهم إلا ابن جرير الطبري فإنه ذكر الأقوال ثم وجهها ، ورجح بعضها على بعض ؛ وزاد على ذلك الإعراب إن دعت إليه حاجة ، واستنبط الأحكام التي يمكن أن تؤخذ من الآيات القرآنية (١).
وتجدر الإشارة إلى أن التفسير إذا كان قد انفصل عن الحديث ، فإنه ليس معنى ذلك أن هذه الخطوة محت ما قبلها وألغت العمل به ، بل معناه أن التفسير تدرج في خطواته ، فبعد أن كانت الخطوة الأولى للتفسير هي النقل عن طريق التلقي والرواية ، كانت الخطوة الثانية له هي تدوينه على أنه باب من أبواب الحديث ، ثم جاءت بعد ذلك الخطوة الثالثة ، وهي تدوينه على استقلال وانفراد ، فكل هذه الخطوات ، تم إسلام بعضها إلى بعض ، بل وظل المحدثون بعد هذه الخطوة الثالثة ، يسيرون على نمط الخطوة الثانية ، من رواية المنقول من التفسير في باب خاص من أبواب الحديث ، مقتصرين في ذلك على ما ورد عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أو عن الصحابة أو عن التابعين (٢).
الخطوة الثالثة : تجاوز التفسير حدود التفسير بالمأثور ، بعد ما كان مقصورا على ذلك ، فصنف في التفسير خلق كثير ، اختصروا الأسانيد ، ونقلوا الأقوال المأثورة عن المفسرين من أسلافهم دون أن ينسبوها لقائليها ، فدخل الوضع في التفسير والتبس الصحيح بالعليل ، وأصبح الناظر في هذه الكتب يظن أن كل ما فيها صحيح ، فنقله كثير من المتأخرين في تفاسيرهم ، ونقلوا ما جاء في هذه الكتب من إسرائيليات على أنها حقائق ثابتة ، وكان ذلك هو مبدأ ظهور خطر الوضع والإسرائيليات في التفسير (٣).
الخطوة الرابعة : وهي خطوة أوسع من سابقتها ، امتدت من العصر العباسي إلى يومنا هذا ، فبعد أن كان تدوين التفسير مقصورا على رواية ما نقل عن سلف الأمة تجاوز بهذه الخطوة الواسعة إلى تدوين تفسير اختلط فيه الفهم العقلي بالتفسير النقلي ، وتدرج ذلك تدرجا واضحا ، فبدأ أولا التفسير العقلي على هيئة محاولات فهم شخصي ، وترجيح لبعض الأقوال على بعض ، وكان هذا أمرا مقبولا ما دام يرجع الجانب العقلي منه إلى حدود اللغة ودلالة الكلمات القرآنية ، ثم ظلت محاولات هذا الفهم الشخصي تزداد وتتضخم ، متأثرة بالمعارف المختلفة والعلوم المتنوعة والآراء المتشعبة والعقائد المتباينة ،
__________________
(١) السابق (١ / ١٤٤).
(٢) السابق (١ / ١٤٤ ، ١٤٥).
(٣) السابق (١ / ١٤٧).