الكريم ؛ ليستنبطوا الحكم الصحيح وقد سبق أن ذكرنا عند حديثنا عن دور علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ في التفسير أنه يعد ـ بحق ـ واضع اللبنة الأولى للتفسير الموضوعي للقرآن الكريم ، ومن أمثلة ذلك ـ أيضا ـ ما سبق أن ذكرناه عن ابن عباس وعمر بن الخطاب في توقع موعد ليلة القدر ، فقد أخرج أبو نعيم عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب جلس في رهط من المهاجرين من الصحابة ، فذكروا ليلة القدر ، فتكلم كل بما عنده ، فقال عمر : ما لك يا ابن عباس صامت لا تتكلم؟ تكلم ولا تمنعك الحداثة ، قال ابن عباس : فقلت : يا أمير المؤمنين ، إن الله وتر يحب الوتر ، فجعل أيام الدنيا تدور على سبع ، وخلق أرزاقنا من سبع ، وخلق الإنسان من سبع ، وخلق فوقنا سماوات سبعا ، وخلق تحتنا أرضين سبعا ، وأعطى من المثاني سبعا ، ونهى في كتابه عن نكاح الأقربين عن سبع ، وقسم الميراث في كتابه على سبع ، ونقع في السجود من أجسادنا على سبع ، وطاف الرسول صلىاللهعليهوسلم بالكعبة سبعا ، وسعى بين الصفا والمروة سبعا ، ورمى الجمار سبعا ، فأراها في السبع الأواخر من شهر رمضان ، فتعجب عمر ، وقال : ما وافقني فيها أحد إلا هذا الغلام الذي لم تستو شئون رأسه (١).
وقد توالت الجهود وتتابعت في التفسير الموضوعي حتى أصبح مصطلحا معروفا واتجاها واضحا في التفسير في العصر الحديث ، حيث وجدنا من العلماء من يتناول بالتفسير سورة واحدة ، كما فعل الدكتور محمد البهي في تفسير سورة يوسف وإبراهيم وغيرهما ، ومنهم من تناول بالتفسير موضوعا من موضوعات القرآن ، فجمع آياته المتفرقة وقام بتفسيرها في كتاب واحد ، كما فعل الدكتور محمد عبد الله دراز في كتابه «الأخلاق في القرآن الكريم» ، والدكتور يوسف القرضاوي في كتابه «الصبر في القرآن الكريم» ، ومن قبل : الشيخ محمد رشيد رضا في «الوحي المحمدي» وتوالت الكتب المختصة بهذا الشأن ، حتى وجدنا بعض العلماء كالشيخ الغزالي يؤلف مباشرة تحت عنوان «التفسير الموضوعي للقرآن الكريم».
وقد بلغ من شهرة هذا الاتجاه أن أصبح شعبة دائمة في منظمة المؤتمر الإسلامي ، وصدرت عنها عدة بحوث كان لها الأثر الكبير في التعريف بالقرآن والإسلام لدى غير المسلمين ، مما أسفر عن إعجاب الكثير بالإسلام وإعلان إسلامهم (٢).
إذن فإن التفسير «تفسير القرآن الكريم» مر بمراحل متعددة حتى صار إلى ما نراه الآن ،
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : د / محمد نبيل غنائم : بحوث ونماذج من التفسير الموضوعي ص ٢٤.