الأول : أنه كان يسأل أهل الكتاب ، كما سبقت الإشارة إلى أن ابن سعد عزا عدم سؤالهم له في التفسير إلى ذلك ، فقال : كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب.
والثاني : مسلك التحرر الذي سلكه وتفسيره القرآن بالرأي ، فلعل مثل هذا المسلك من مجاهد ، هو الذي جعل بعض المتورعين الذين كانوا يتحرجون من القول في القرآن برأيهم يتقون تفسيره ، ويلومونه على قوله في القرآن بمثل هذه الحرية الواسعة في الرأي ، فقد روي عن ابن مجاهد أنه قال : قال رجل لأبي : أنت الذي تفسر القرآن برأيك؟ فبكى أبي ثم قال : إني إذن لجريء ، لقد حملت التفسير عن بضعة عشر رجلا من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ورضي عنهم (١).
وليس معنى هذا أن في مجاهد مطعنا ، كلا ، فهو ثقة بلا مدافعة ، وإن صح أنه كان يسأل أهل الكتاب فما أظن أنه تخطى حدود ما يجوز له من ذلك ، لا سيما وهو تلميذ حبر الأمة ابن عباس ، الذي شدد النكير على من يأخذ عن أهل الكتاب ويصدقهم فيما يقولونه مما يدخل تحت حدود النهي الوارد عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٢).
وعليه ، فتبقى لمجاهد إمامته في التفسير التي لا يمكن أن يدفعها عنه دافع ، فليس أخذه عن أهل الكتاب أو حريته في تفسير آيات القرآن يغضان من قيمته ومكانته أو يقللان من تفوقه في العلم والتفسير.
٣ ـ عكرمة
عكرمة البربري مولى ابن عباس أبو عبد الله أحد الأئمة الأعلام ، روى عن مولاه ، وعائشة وأبي هريرة ، وأبي قتادة ومعاوية وخلق ، وروى عنه الشعبي وإبراهيم النخعي ، وأبو الشعثاء من أقرانه وعمرو بن دينار وقتادة وأيوب وخلق.
قال الشعبي : ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة رموه بغير نوع من البدعة ، قال العجلي : ثقة بريء مما يرميه الناس به ، ووثقه أحمد ، وابن معين ، وأبو حاتم ، والنسائي ، ومن القدماء أيوب السختياني.
قال مصعب : مات سنة خمس ومائة.
مكانته في التفسير :
قال المروزي : قلت لأحمد : يحتج بحديث عكرمة؟ فقال : نعم يحتج به.
__________________
(١) د / الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ١٠٨ ، ١٠٩).
(٢) السابق (١ / ١٠٧).