وتطوره ونشره في داخل مكة وخارجها ، فقد كان لسعيد بن جبير رحلة إلى الري ، نشر فيها الكثير من العلم (١) ، وكذلك كان لمجاهد رحلات خارج مكة ، واستقر طاوس باليمن ينشر هناك علم ابن عباس وتفسيره ، وأما عكرمة فقد طاف البلاد الإسلامية شرقا وغربا ، حيث رحل إلى خراسان واليمن والعراق والشام ومصر والحرمين (٢).
ثانيا : المدرسة المدنية :
هذه المدرسة لم يكن لها إسهام وافر في مجال تفسير القرآن الكريم بالرأي ؛ إذ التزم أصحابها السماع والرواية في تفسيرهم ، ومن هنا لم تضف هذه المدرسة لونا عقليّا تتميز به كما أضافت مدرسة مكة التي تحدثنا عنها قبل قليل ، أو مدرسة العراق التي سنتحدث عنها فيما بعد ، بل بقيت ثقافتها معتمدة على الوحي : الكتاب والسنة ، والإلمام بمواضع نزول الوحي وأوقاته ، والإحاطة بأسباب النزول ، وأحوال الذين نزل القرآن فيهم (٣).
ولكن هذا لا ينفي ما قام به زيد بن أسلم في مجال التفسير بالرأي حتى قال عنه عبيد الله بن عمر : «لا أعلم به بأسا إلا أنه يفسر القرآن برأيه ويكثر منه» (٤).
وهذا الحكم لا يعد مغمزا في زيد وثقته وعدالته ، أو طعنا في دينه وعلمه ؛ فلم يوجد من العلماء من نسبه إلى أحد المذاهب المبتدعة ، ويدل على توثيقه وعدالته أنه جلس إليه علماء كثيرون منهم علي بن الحسين زين العابدين ، ولما سئل عن هذا قال : «إنما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه» (٥).
وأستاذ هذه المدرسة ومؤسسها الأول أبي بن كعب ، وعنه أخذ أعلام المدرسة المدنية من التابعين ، لكن لم يكن أخذهم عنه وحده ، بل أخذوا كذلك عن أبي بكر الصديق ، وعلي بن أبي طالب كذلك ، ولكن ليس بدرجة أخذهم عن أبي بن كعب.
وقد اشتهر من أعلام هذه المدرسة في التفسير ثلاثة أو أربعة ، وهم : زيد بن أسلم ، وأبو العالية ، وسعيد بن المسيب ، ومحمد بن كعب القرظي ، وسنقوم بترجمة كل واحد منهم.
__________________
(١) ينظر : حبر الأمة عبد الله بن عباس ص ١٤٥.
(٢) ينظر : وفيات الأعيان (١ / ٣١٩) ، والبداية والنهاية (٩ / ٢٥٤) ، ومعجم الأدباء (١٢ / ١٨١).
(٣) ينظر : أبي بن كعب ـ الرجل والمصحف للشحات زغلول (الهيئة المصرية العامة للكتاب ١٩٧٨ م) ص ٥٧ ، ٥٨.
(٤) تهذيب التهذيب (٣ / ٣٩٦) ، وميزان الاعتدال للذهبي (٢ / ٩٨).
(٥) تهذيب التهذيب (٣ / ١٩٧) ، والعبر في خبر من غبر للذهبي ، تحقيق : فؤاد سيد (الكويت ، ١٩٦١ م) (٦ / ١٨٣).