ما لبثت هذه الدولة أن استقلت عن الدولة العباسية (١).
وفي مصر ثار أهل الحوف مرتين : الأولى سنة ١٧٨ ه ، فأرسل الرشيد هرثمة بن أعين فأخمدهم. والثانية سنة ١٨٩ ه بقيادة أبي النداء الذي خرج في مائة ألف رجل ، وكان في أيلة ، وأفسد مفسدة عظيمة ، فأرسل إليه الرشيد جيشا ، وأرسل والي مصر جيشا آخر ، فانهزم أبو النداء ، فأعلن أهل الحوف الإذعان والطاعة لما رأوه من انهزام قائدهم (٢).
ولما ولي الأمين الخلافة وقع الخلاف بينه وبين أخيه المأمون ، ووقع بينهما القتال ، خاصة عند ما خلع الأمين أخاه المأمون وعهد بالأمر لابنه موسى ، فدار القتال ، وحاصر طاهر بن الحسين قائد جيش المأمون بغداد أربعة عشر شهرا وقطع عنها الأقوات ، حتى وقع الناس في عنت شديد ، وانتصر طاهر ، وقتل الأمين ، وتمت البيعة للمأمون سنة مائة وثمانية وتسعين (٣).
وقيل : إن الأمين كان غير مهتم بشئون دولته ؛ حيث كان يحب اللهو والمجون ، ومن ثم كثرت الفتن في عهده ، وازدادت الثورات ، فاشتعلت نار الفتنة في الشام ، فقام علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية ، يدعو لنفسه ، فعظم أمره ، واشتد خطره حتى احتل دمشق ، وكاد يستقر له الأمر لو لا النزاع الذي وقع بين اليمنيين والمضريين من أتباعه ، وبعث الأمين جيشا يعيد الاستقرار إلى بلاد الشام ، لكنه لم يفعل شيئا ، ومن ثم بقيت بلاد الشام في اضطراب وقلاقل قيل : سنتين ، أو أكثر (٤).
وفي ولاية المأمون : كان خروج بعض العلويين ، فخرج عليه أبو السرايا سنة ١٩٩ ه بالكوفة ، وأوقع بجيوش الحسن بن سهل ، ولم يستطع المأمون إخماد حركته إلا بعد عناء شديد ؛ فقد هزمه هرثمة بن أعين (٥).
وأراد المأمون استمالة العلويين فعين ولي عهده منهم ، فولى علي بن موسى الكاظم وخلع أخاه القاسم من ولاية العهد ، فاستثار بذلك حفيظة العباسيين وثاروا عليه في عدة مناطق (٦).
__________________
(١) ينظر : تاريخ الطبري (٢ / ٤٦).
(٢) ينظر : السابق (١٠ / ٦٢) ، والنجوم الزاهرة (٢ / ١٢٥).
(٣) ينظر : مروج الذهب (٣ / ٣٠٤).
(٤) ينظر : تاريخ الطبري (١٠ / ١٥٥).
(٥) ينظر : النجوم الزاهرة (٢ / ١٦٤) ، وتاريخ الطبري (١٠ / ٢٧٧).
(٦) ينظر : مروج الذهب (٣ / ٣٤٩) ، وتاريخ الطبري (١ / ٢٤٣).