الشريعة ، ولم يحترموا قوانين اللغة العربية في فهم أبلغ النصوص العربية : كتاب الله وسنة رسولهصلىاللهعليهوسلم.
والأدهى من ذلك أنهم يتخيلون ويخيلون إلى الناس ، أنهم هم أهل الحقيقة الذين أدركوا الغاية ، واتصلوا بالله اتصالا أسقط عنهم التكليف ، وسما بهم عن حضيض الأخذ بالأسباب ، ما داموا في زعمهم مع رب الأرباب ، وهذا ـ لعمر الله ـ هو المصاب العظيم الذي عمل له الباطنية وأضرابهم من أعداء الإسلام ، كيما يهدموا التشريع من أصوله ، ويأتوا بنيانه من قواعده : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) [الصف : ٨] (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) [التوبة : ٣٢]» (١).
إذن يجب عدم الانسياق وراء الشطحات والتخييلات التي تخرج بالنص القرآني عن مراده ومعناه المتوخى ، والله أعلم.
هذه هي المناهج التفسيرية العامة التي اعتمدها القدماء واستخدموها في تفسيراتهم بدرجات متفاوتة ، فقد اعتمد بعض المفسرين منهج التفسير بالمأثور ، وبعضهم اعتمد منهج التفسير بالرأي ، وبعضهم فسر القرآن تفسيرا إشاريّا ، وبعضهم جمع بين منهجين أو أكثر ، وكل مفسر ـ في النهاية ـ له منهجه الخاص الذي يستند إلى المنهج العام الذي ينتمي إليه ، سواء كان منهج التفسير بالمأثور أو بالرأي أو الإشاري.
ثانيا : منهج المدرسة الحديثة في التفسير :
تبين لنا من خلال ما سبق أن التفسير في القديم اعتمد عدة مناهج ، فنشأ التفسير شرحا للفظ غامض أو توضيحا لمعنى بعيد ، ثم تطور إلى تفسير بالمأثور ، وتفسير بالرأي.
وفي عهد التقليد والجمود تأثر التفسير بثقافة المفسر ، وليس ذلك عيبا بذاته ، ولكن العيب أن يتحول التفسير إلى كتاب في القواعد والإعراب ، أو البلاغة والبيان ، أو آراء الفرق والرد عليها.
قال السيد محمد رشيد رضا في مقدمة تفسير المنار :
«كان من سوء حظ المسلمين أن أكثر ما كتب في التفسير يشغل قارئه عن مقاصد القرآن العالية وهدايته السامية ، فمنها ما شغله عن القرآن بمباحث الإعراب ، وقواعد النحو ، ونكت المعاني ، ومصطلحات البيان ، ومنها ما يصرفه عنه بجدل المتكلمين وتعصب
__________________
(١) الزرقاني : مناهل العرفان في علوم القرآن ص (٨٩).