فيمن أراد ، وهذا هو القرآن الكريم يخبرنا عن داود وسليمان في أمر عرض عليهما ، فحكم كل واحد منهما بحكم يخالف الآخر ، فيقول : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) [الأنبياء : ٧٩].
ونستطيع القول : إن التفسير الإشاري لا يحكمه منهج معين ، لكن له شروطا لا بد من توافرها حتى يكون تفسيرا مقبولا ، وهي خمسة شروط كالآتي :
أولا : عدم التنافي مع المعنى الظاهر في النظم الكريم.
ثانيا : ألا يدعى أنه المراد وحده دون الظاهر.
ثالثا : ألا يكون تأويلا بعيدا سخيفا : كتفسير بعضهم قول الله تعالى : (وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت : ٦٩] بجعل كلمة (لَمَعَ) ماضيا ، وكلمة (الْمُحْسِنِينَ) مفعوله ، ومثل ذلك تفسير الباطنية لقوله تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) [النمل : ١٦] أي : أن الإمام عليّا ورث النبي في علمه.
رابعا : ألا يكون له معارض شرعي أو عقلي ، بل يكون له شاهد شرعي يؤيده.
خامسا : ألا يكون فيه تشويه على أفهام الناس (١).
وبدون هذه الشروط لا يقبل التفسير الإشاري ، ويكون عند ذلك من قبيل التفسير بالهوى والرأي المنهي عنه.
وقبل أن نغادر إلى الحديث عن المنهج الحديث في التفسير ، نشير إلى أبرز التفاسير الإشارية ، وهي : تفسير النيسابوري ، وتفسير روح المعاني للآلوسي ، وتفسير التستري ، وتفسير ابن عربي الفيلسوف ، وليس ابن العربي الفقيه القرطبي.
وأخيرا أنوه بأمر مهم ، وهو تحذير المسلمين من التفاسير الإشارية وعدم الاعتماد عليها دون التفاسير الأخرى ، وهذا ما حذر منه الشيخ الزرقاني حين قال :
«لعلك تلاحظ معي أن بعض الناس قد فتنوا بالإقبال على دراسة تلك الإشارات والخواطر ، فدخل في روعهم أن الكتاب والسنة ، بل الإسلام كله ، ما هو إلا سوانح وواردات ، على هذا النحو من التأويلات والتوجيهات ، وزعموا أن الأمر ما هو إلا تخييلات ، وأن المطلوب منهم هو الشطح مع الخيال أينما شطح ؛ فلم يتقيدوا بتكاليف
__________________
(١) ينظر : الزرقاني : مناهل العرفان (٢ / ٨١) ، ومحمد علي الصابوني : التبيان في علوم القرآن ص (١٧٥).