قال : صنف أبو عبد الرحمن السلمي حقائق في التفسير ، فإن كان قد اعتقد أن ذلك تفسير فقد كفر».
وقال النسفي في عقائده : «النصوص على ظواهرها ، والعدول عنها إلى معان يدعيها أهل الباطل إلحاد».
وقال التفتازاني : «سميت الملاحدة باطنية ؛ لادعائهم أن النصوص ليست على ظواهرها ، بل لها معان لا يعرفها إلا المعلم ، وقصدهم بذلك نفي الشريعة بالكلية».
قال : «وأما ما يذهب إليه بعض المحققين من أن النصوص على ظواهرها ، ومع ذلك ففيها إشارات خفية إلى دقائق تنكشف لأرباب السلوك يمكن التوفيق بينها وبين الظواهر المرادة ، فهو من كمال الإيمان ومحض العرفان» (١).
ونص التفتازاني هذا واضح الدلالة في بيان الفرق بين التفسير الإشاري الذي لا ينكر متعاطيه ظواهر النصوص التي هي أدعى إلى فهم أسرار القرآن ، وبين تفسير الباطنية الملاحدة الذين يريدون هدم الشريعة.
وينقل السيوطي عن ابن عطاء الله تحديدا للتفسير الإشاري ، فقال : «اعلم أن تفسير هذه الطائفة لكلام الله وكلام رسوله بالمعاني الغريبة ليس إحالة للظاهر عن ظاهره ، ولكن ظاهر الآية مفهوم منه ما جاءت الآية له ودلت عليه في عرف اللسان ، ولهم أفهام باطنة تفهم عند الآية والحديث لمن فتح الله قلبه ، وقد جاء في الحديث «لكل آية ظهر وبطن» (٢).
فلا يصدنك عن تلقي هذه المعاني منهم أن يقول لك ذو جدل ومعارضة : هذه إحالة لكلام الله وكلام رسوله صلىاللهعليهوسلم ، فليس ذلك بإحالة ، وإنما يكون إحالة لو قالوا : لا معنى للآية إلا هذا ، وهم لم يقولوا ذلك بل يقررون الظواهر على ظواهرها مرادا بها موضوعاتها ، ويفهمون عن الله ما ألهمهم» (٣).
وأقول : هذا كلام الإنصاف ، فقد وضع الحق في موضعه ، وجمع بين النصوص الظاهرة والمعاني الخفية الواردة التي تشرق على قلب المؤمن العارف بالله ، كما كان الحال مع الصديق وعمر ، ولا عجب فالله تعالى يعطي الحكمة من يشاء ، ويضع الفهم
__________________
(١) تنظر هذه النصوص في : الزرقاني : مناهل العرفان في علوم القرآن (٢ / ٧٨ ، ٧٩).
(٢) تقدم.
(٣) الإتقان في علوم القرآن (٢ / ١٨٥).